+ A
A -

عن أبي جعفر الألباني صديق الإمامِ أحمد قال: لمَّا علمتُ أنَّ المأمون يُريدُ الإمام ليقول بخلقِ القُرآن، عبرْتُ الفُرات، فأدركتُهُ قبل أن يأخذوه.

فقالَ لي: يا أبا جعفر، أرادني الخليفةُ ليمتَحِنِّي في ديني!

فقلتُ له: يا أحمد أنتَ اليوم رأس، والناسُ يقتدون بكَ، فواللهِ لئن أجبتَ إلى خلقِ القُرآنَ ليُجيبنَّ خلقٌ كثير، وإن أنتَ لم تُجبْ ليمتنعنَّ خلقٌ كثير. ومع هذا فإنَّ المأمون إن يقتلكَ فإنكَ لا بدَّ ستموتُ آخر الأمر، فاتقِ اللهَ بنفسكَ وبالناس!

فجعلَ أحمدُ يقولُ لي: أَعِدْ عليَّ مقالتكَ يا أبا جعفر، فجعلتُ أُعِيدُ عليه، وهو يبكي ويقول: عزَّيتني عزَّاكَ الله!

لحظاتُ الجبرِ في مواقفِ الانكسارِ لا تُنسى!

ولو استغنى أحدٌ عن المواساةِ لاستغنى عنها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ولكنه بأبي هو وأمي إنسان، ففي عامِ الحزنِ ضاقتْ عليه الدُنيا لا مكة فحسب، خديجة جبهته الداخلية وأشرس جنوده، حضنه وأمنه وأمانه اختارها الله إلى لقائه!

وأبو طالب جبهته الخارجية، وأحن أعمامه عليه، الذي كانَ يحوطُهُ ويرعاه، ويحولُ بينه وبين قُريش قد ماتَ أيضاً!

ويا لها من لحظات، ويا لقلبِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وقتذاك، فاستدعاه ربه إلى السماءِ في حادثةِ الإسراءِ والمعراج، فالأرض كلها أحياناً لا تكفي لتكون عزاءً!

في حادثةِ الإفكِ دخلتْ امرأةٌ من الأنصارِ على عائشة، فلم تُحدِّثْها كلمة، وإنَّما واستها بأن بكتْ معها، فلم تنسها عائشة لها!

وعندما تابَ اللهُ على كعب بن مالك بعدما تخلَّفَ عن غزوةِ تبوك، ودخلَ المسجد، قامَ إليه طلحة مُهروِلاً يعتنقه، فلم ينساها كعبٌ لطلحة!

لا تستهينوا بمواقفِ الجبرِ فإنها تُحدِثُ الكثيرَ في القلوب!

كلمةٌ تقولُها قد تُثبّتُ بها عالماً يُراودونه عن دينه، وعناقٌ قد تجبرُ به خاطراً، وتربيتةٌ على كتفٍ قد تُداوي فيها جرحاً، وزيارةٌ لمريضٍ لا يتفقده أحد قد تُحلقُ بروحه إلى السماءِ من فرطِ السعادة، ونحن أرواحٌ وقلوبٌ لسنا أجساداً فقط، فترفَّقوا!

copy short url   نسخ
27/09/2022
220