مثّل فوز حزب «إخوة إيطاليا» من أقصى اليمين نتيجة متوقعة للمسارات السياسية الإيطالية الداخلية في الفترة الأخيرة إذ لم يشكل هذا الفوز مفاجأة لأغلب الملاحظين على الصعيد الإيطالي أو الأوروبي. لكنه يمثل من جهة أخرى سببا كافيا لانزعاج النخب السياسية والمالية والأمنية لما يمكن أن تتطور إليه الأمور في المستقبل القريب على المستوى الأوروبي. فبعد فوز اليمين في السويد والمجر ها هي إيطاليا تنعش حظوظ بقية المكونات اليمينية في أوروبا وتهدد بتغيير الخريطة السياسية للقارة العجوز بشكل كليّ.
لم تقتصر تصريحات جورجيا ميلوني على القضايا الكلاسيكية لليمين الأوروبي مثل قضية الهجرة والأجانب والعلاقات الخارجية بل تجاوزتها إلى طبيعة النظام السياسي الداخلي للبلاد. كما قادت ميلوني حملتها الانتخابية على عداء الإسلام والمسلمين وعلى تفعيل مشكلة الهوية الإيطالية المسيحية التي تعتبرها مهدَّدة بأمواج الهجرة.
قد لا يكون زحف أحزاب أقصى اليمين مفاجأة بالنسبة لكثير من الملاحظين الأوروبيين وذلك لسببين أساسيين: أما الأول فيتمثل في فشل النخب السياسية اليسارية وأحزاب يمين الوسط في إيجاد حلول جذرية للمشاكل العميقة التي تعاني منها أوروبا الغربية وخاصة الاقتصادية منها. وهو الوضع الذي تسبب فيه جزئيا صعود اقتصادات آسيا والمنافسة الكبيرة داخل دول الاتحاد الأوروبي نفسه. أما السبب الثاني فيتمثل في الأزمات الظرفية التي تعصف بالدول الأوروبية مثل أزمة الطاقة ومخلفات جائحة كورونا وآخرها الغزو الروسي لأوكرانيا وما قد سيتسبب فيه من كوارث ناجمة عن استعمال الأسلحة النووية.
ما هي البدائل إذن أمام هذا الزحف الثابت لأحزاب اليمين على أوروبا التي لا تزال ذاكرتها تستحضر فظائع الفاشية والنازية ؟ ليس هناك من حلول حقيقية باستثناء قدرة الاتحاد الأوروبي على محاربة المكونات السياسية التي تتعارض مع مبادئه ومقولاته في دول الاتحاد لكنه يبقى غير قادر على منع وصول هذه الأحزاب إلى السلطة وتنفيذ البرامج التي وعدت بها ناخبيها فذلك قرار يتعارض مع روح الديمقراطية.