قال سري السقطي، وكان أوحد زمانه في الورع والفقه: منذ ثلاثين سنة، وأنا في الاستغفار من قولي مرة: الحمد لله!
فقيل له: وكيف ذلك؟
فقال: وقع ببغداد حريق، فاستقبلني رجل وقال: نجا حانوتك!
فقلت: الحمد لله!
فأنا نادم من ذلك الوقت حيث أردت لنفسي خيرا من دون الناس!
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»!
وروى ابن الجوزي في كتابه «المنتظم» قال:
كان إبراهيم النخعي أعور العين، وكان تلميذه سليمان بن مهران أعمش، وفي يوم سارا في إحدى طرقات الكوفة يريدان المسجد، وبينما هما يسيران إذ قال إبراهيم النخعي: يا سليمان، هل لك أن تأخذ طريقا وآخذ أنا آخر؟ فإني أخشى إن رآنا سفهاء الناس أن يقولوا: أعور يقود أعمش! فيغتابون ويأثمون!
فقال له الأعمش: يا أبا عمران، وما عليك أن نؤجر ويأثمون؟
يا لنبل الأوائل، وإحساسهم بالآخرين!
فسري السقطي يستغفر الله من حمده إياه أن سلمت دكانه من الحريق. فقد رأى أنه لم يتوجع لوجعهم، وأنه بحمده هذا قد أتى أنانية لا يجب أن يأتيها مسلم!
وحمد الله على نجاة دكانه لا شيء فيه بالطبع، على العكس، ولكنه من فرط نبله، لام نفسه ثلاثين عاما عليها!
وهذا النخعي لا يحفل بدينه فقط، وإنما يحفل بدين الناس أيضا، فهو لا يريد أن يرافق الأعمش خوف أن يأثم بعض السفهاء إذا اغتابوهما!
لقد بلغ به النبل مبلغا أن يفارق تلميذه خوفا على سيئة تكتب في صحيفة مسلم!
تراك وأنت ترى اللاجئين في الخيم والبرد يعتصر قلوبهم، ويقطع أوصالهم كيف كان قلبك! فإن اعتصرت ألما، وبادرت ولو بالقليل فأنت على الطريق! وإن لم يتحرك لك جفن، فكبر على قلبك أربعا فإنه ميت وإن كان ينبض في صدرك!
تراك وأنت تتزينين للخروج من المنزل، هل سألت نفسك كم شخصا سينظر إليك، وتكونين سببا في شيوع الفاحشة بين الناس!
الأمر أكبر من شعر مصفف، ومكياج أنيق، ورائحة فواحة، الأمر دين الناس، فاتقي الله يا أختاه!