في زمننا الذي اختلط فيه الحق بالباطل، وانتشر فيه الرياء، وغاب عنه الحياء وساد فيه الظلم، أصبحت كلمة الحق عملة نادرة يخشى الكثير أن يدفعوا ثمنها باهظًا إما خسارة عزيز، أو مال، أو منصب، أو عداوة صاحب سلطة وسلطان، مما جعل معظم الناس يغضون البصر ويمضون في سبيلهم خوفا، أو طمعا، أو ضعفا، إلا من رحم ربي من الصابرين الذين بقيت أصواتهم مجلجلة تصدح بالحق ولم ترضخ للمساومة، ولم تحد عن المبدأ ووجدت في ذاتها جرأة نفسية، وقوة داخلية، وإيمانا صادقا لتكمل طريقها بكل ثبات ورسوخ وشموخ. وإنه لفخر لنا أن يصدع هذا الصوت من أرضنا الطيبة ويتردد صداه في أصقاع العالم، وهو صوت امرأة سارت بثبات على خطى الأولين الصالحين، تسلحت بالمبدأ والقيم الأخلاقية والعلم والمعرفة والفكرالمستنير، سعادة الدكتورة هند بنت عبدالرحمن المفتاح- المندوب الدائم لدولة قطر لدى المقر الأوروبي للأمم المتحدة بجنيف- والتي دفعت ضريبة كلمتها وصوتها الحر، وتشبثها وتشبعها بمبادئها بخسارة رئاسة منتدى حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بعد الكشف أنها سبق لها أن نشرت مجموعة من التغريدات نددت فيها بممارسات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، وانتقدت ظاهرة المثلية التي تتعارض مع الفطرة السوية.
لقد لقي هذا القرار ترحيباً من شعب قطر الذي وقف صفاً واحداً لنصرة مواطنتهم، واعتبروا ردة فعل الأمم المتحدة تجاه موقفها وساماً على صدورهم وإنجازا يدعو للفخر والاعتزاز، فبالنسبة لنا لا مساومة مع قضيتنا الأم ولا نقاش فيما فرضه علينا ديننا الحنيف، أحبَ من أحب وكرهِ من كره، فالساكت عن الحق شيطان أخرس، صحيح أن المفتاح خسرت منصباً كنا نأمل أن يضاف إلى رصيدها ورصيد قطر، إلا أنها كسبت نفسها ومبادئها أولاً، واحترامنا وثقتنا وقلوبنا، وما نفع المناصب إن لم نخدم بها قضايانا وندافع بها عن قيمنا وإن لم نوصل من خلالها رسائلنا، وما الذي يضيفه المنصب إن لم يكن منبراً للتعبير عن ذواتنا، ورفع قيمنا.
هذا القرار الظالم أكد لنا مجددا أن الديمقراطية وحرية التعبير التي يتشدق بها الغرب ما هي إلا مجرد مصطلحات فضفاضة لخدمة مصالحهم الضيقة، وفرض توجهاتهم العقيمة، فهم يقومون بنصرة كل موقف مخالف، ويكتمون كل صوت حر يرفض مبادئهم الزائفة، والتي تتعارض مع قيم جميع الديانات، وعرف جميع المجتمعات ويكممون الأفواه التي تنطق بغير ما أملي عليها من أفكار وقيم، وظنوا أنهم بهذا القرار أسكتوا صوت الحق.
سعادة الدكتورة هند مثلتنا ونطقت بصوت كل القطريين والعرب الشرفاء، وبالفعل نجحت في إيصال رسالتنا بشكل واضح فنحن لن نتخلى عن قضيتنا ولن نساوم بمبادئنا وإنسانيتنا، نفخر بكِ وبالفعل كان لك من اسمك نصيب، فأنتِ مثل السيف في صلابته، عن مبادئك لا تحيدين، وقد منّ عليك الله بأن أراك الحق حقاً ورزقك اتباعه وأراك الباطل باطلاً ورزقك اجتنابه، ونتمنى أن يتعظ العالم ويعتبر ومن ينصره الله لا غالب له.