+ A
A -
ظاهرة «الحج» لإسرائيل عربياً وإقليميا، ليست مسألة عفوية ضمن سياقات التقلبات الكبيرة في سياسات المنطقة، لكنها اليوم أعمق بكثير من مراحل سابقة عاشها الشرق، كان التواصل مع الإسرائيليين جسراً مطلوبا لتعزيز صمود هذا النظام السياسي أو ذاك، في رحلته الداخلية الصعبة، أو في توازنات صراعه الخارجية، فيُلجأ لتل أبيب لتكون محور دعم في واشنطن لصالحه.
مقابل ما يقدمه الساعي اليها من إشارات أو إعلانات، تؤكد قبوله بالتعامل معها ككيان ثابت في الشرق الإسلامي، والذي استُبدل مصطلحه إلى الشرق الأوسط، ضمن ذات السياق لغرس فكرة الكيان الإسرائيلي، الوليد خارج تاريخ المنطقة وفرضه على الواقع الجغرافي العربي والمسلم، بل والمسيحي في مؤسساته العريقة، التي ظلت قائمة في جوار المساجد وشريكة للمسلمين وعهودهم.
وهنا قضية غاية في الأهمية، وهي سعي تل أبيب دوما للحصول على مواقف متواترة من النظام العربي والإقليمي بالتعامل المكثف معها، والاعتراف العملي بوفود رسمية وإعلامية وغيرها، فإشكالية تل أبيب الوجودية وشعورها الذي لا يزال يؤثر على الهجرة المعاكسة منها للغرب، كان دائماً مقترنا بأنها دولة تصارع في وجودها، وأن عملية غرسها من الغرب، لا تزال تعاني من الرفض الطبيعي في جسد الشرق.
هذه مسألة مؤرقة لكل السياسات الإسرائيلية، وأي كسر لها تعتبره ضمن أدوات الخروج من هذه العزلة، ولذلك فإن مشروع عودة المقاومة المركزية ودحرجة صعودها، عبر حركة حماس أو الفكر والفعل المقاوم الذي عاد بوسائط بسيطة في فلسطين المحتلة 1948، كان مخيفا للغاية لهذه الاستراتيجية الدفاعية، التي تشعر أنها هشة من داخلها، رغم قوتها أمام النظام الرسمي العربي واخضاعها له، ورغم كل الدعم الذي حظيت وتحظى به، كمخزون مفتوح من قبل واشنطن لصالح تثبيت وجودها.
ولكن تل ابيب اليوم، لم تعد بوابة الأنظمة الرسمية أو العلاقات الإقليمية للباب العالي في واشنطن فقط، وإنما بدأت اسرائيل تطرح صناعة الشراكة المباشرة مع هذه الأنظمة، لتكوين نظام إقليمي يفرض رؤيته على الواقع، بعد سلسلة من التأييدات السياسية لها، والتودد لرضاها، فتتحول كل هذه الجسور نحوها، لإقرار النظام الإقليمي الجديد الذي تقوده، أو على الأقل يكون القوة الأولى في توازنات المنطقة السياسية.
لقد اثبتت الأحداث أن موقف الغرب من الأمن الإسرائيلي فاعل للغاية، في كل الأحداث التي عاشها الوطن العربي وجواره الإقليمي، فكان تطويق الثورة السورية وافشالها شرطا مهما لذلك، كما هو اسقاط الربيع العربي في مصر وتحييده في خارجها، وبالتالي مسألة اشراك النفط الخليجي المواجِه للربيع العربي، أُطّر ضمن هذا التوظيف، ولم يكن نزوات معادية للحرية والديمقراطية فقط.
كما أن الشراكة التنفيذية وتطابق الرؤية السياسية بين طهران وتل أبيب في مسألة تثبيت الأسد، ومنع وصول دولة حرة في قرارها السياسي الداخلي وبنائها الدستوري الشعبي كان ضمن ذات الاستراتيجية، فملاعنة طهران لتل ابيب لم تغير مطلقا في هذه الصفقة التي اتحدت على العراق قديما وعلى سوريا حديثا، وعليه فتل ابيب تستقطب كلا الطرفين في ضفتي الخليج العربي لمصالحها.
لكن البناء السياسي الضعيف في الخليج العربي، وتراجع التضامن الشعبي لغياب الإصلاح والردع، لزحف المشروع الإيراني، يجعله في موقف رخو للغاية، أمام متطلبات تل أبيب لدعمه السياسي والمعنوي، فيما في الحالة التركية والإيرانية، هناك تماسك لمقومات الدولة القومية رغم كل الصعوبات، وبالتالي تتاح لهما مساحة مناورة أكبر.
ولكن كل المؤشرات تتجه إلى أن الموقف السياسي العام في الشرق، يتجه بالفعل لعودة محورية للكيان الإسرائيلي، وأن معادلة تفتيت الشرق تحصدها الحركة الصهيونية كما خططت لها.
بقلم : مهنا الحبيل
مقابل ما يقدمه الساعي اليها من إشارات أو إعلانات، تؤكد قبوله بالتعامل معها ككيان ثابت في الشرق الإسلامي، والذي استُبدل مصطلحه إلى الشرق الأوسط، ضمن ذات السياق لغرس فكرة الكيان الإسرائيلي، الوليد خارج تاريخ المنطقة وفرضه على الواقع الجغرافي العربي والمسلم، بل والمسيحي في مؤسساته العريقة، التي ظلت قائمة في جوار المساجد وشريكة للمسلمين وعهودهم.
وهنا قضية غاية في الأهمية، وهي سعي تل أبيب دوما للحصول على مواقف متواترة من النظام العربي والإقليمي بالتعامل المكثف معها، والاعتراف العملي بوفود رسمية وإعلامية وغيرها، فإشكالية تل أبيب الوجودية وشعورها الذي لا يزال يؤثر على الهجرة المعاكسة منها للغرب، كان دائماً مقترنا بأنها دولة تصارع في وجودها، وأن عملية غرسها من الغرب، لا تزال تعاني من الرفض الطبيعي في جسد الشرق.
هذه مسألة مؤرقة لكل السياسات الإسرائيلية، وأي كسر لها تعتبره ضمن أدوات الخروج من هذه العزلة، ولذلك فإن مشروع عودة المقاومة المركزية ودحرجة صعودها، عبر حركة حماس أو الفكر والفعل المقاوم الذي عاد بوسائط بسيطة في فلسطين المحتلة 1948، كان مخيفا للغاية لهذه الاستراتيجية الدفاعية، التي تشعر أنها هشة من داخلها، رغم قوتها أمام النظام الرسمي العربي واخضاعها له، ورغم كل الدعم الذي حظيت وتحظى به، كمخزون مفتوح من قبل واشنطن لصالح تثبيت وجودها.
ولكن تل ابيب اليوم، لم تعد بوابة الأنظمة الرسمية أو العلاقات الإقليمية للباب العالي في واشنطن فقط، وإنما بدأت اسرائيل تطرح صناعة الشراكة المباشرة مع هذه الأنظمة، لتكوين نظام إقليمي يفرض رؤيته على الواقع، بعد سلسلة من التأييدات السياسية لها، والتودد لرضاها، فتتحول كل هذه الجسور نحوها، لإقرار النظام الإقليمي الجديد الذي تقوده، أو على الأقل يكون القوة الأولى في توازنات المنطقة السياسية.
لقد اثبتت الأحداث أن موقف الغرب من الأمن الإسرائيلي فاعل للغاية، في كل الأحداث التي عاشها الوطن العربي وجواره الإقليمي، فكان تطويق الثورة السورية وافشالها شرطا مهما لذلك، كما هو اسقاط الربيع العربي في مصر وتحييده في خارجها، وبالتالي مسألة اشراك النفط الخليجي المواجِه للربيع العربي، أُطّر ضمن هذا التوظيف، ولم يكن نزوات معادية للحرية والديمقراطية فقط.
كما أن الشراكة التنفيذية وتطابق الرؤية السياسية بين طهران وتل أبيب في مسألة تثبيت الأسد، ومنع وصول دولة حرة في قرارها السياسي الداخلي وبنائها الدستوري الشعبي كان ضمن ذات الاستراتيجية، فملاعنة طهران لتل ابيب لم تغير مطلقا في هذه الصفقة التي اتحدت على العراق قديما وعلى سوريا حديثا، وعليه فتل ابيب تستقطب كلا الطرفين في ضفتي الخليج العربي لمصالحها.
لكن البناء السياسي الضعيف في الخليج العربي، وتراجع التضامن الشعبي لغياب الإصلاح والردع، لزحف المشروع الإيراني، يجعله في موقف رخو للغاية، أمام متطلبات تل أبيب لدعمه السياسي والمعنوي، فيما في الحالة التركية والإيرانية، هناك تماسك لمقومات الدولة القومية رغم كل الصعوبات، وبالتالي تتاح لهما مساحة مناورة أكبر.
ولكن كل المؤشرات تتجه إلى أن الموقف السياسي العام في الشرق، يتجه بالفعل لعودة محورية للكيان الإسرائيلي، وأن معادلة تفتيت الشرق تحصدها الحركة الصهيونية كما خططت لها.
بقلم : مهنا الحبيل