في كتابه قصص الدراويش يحكي «إدريس شاه» قصة جميلة مفادها:

كان عند تاجر طير في قفص، وكان التاجر يعتزم السفر إلى الهند، البلد الذي جاء منه الطير، فسأله إن كان يريد أن يحضر له شيئا من بلاده!

فقال له الطائر: أريد حريتي!

فرفض التاجر هذا الطلب رفضا قاطعا!

عندها قال له الطائر: زر الغابة حيث موطني، وأعلم أقاربي عني!

ذهب التاجر إلى الهند، وعندما أنهى عمله زار الغابة، وأعلم الطيور عن قريبها السجين عنده، فوقع طائر ميتا من شدة الخبر!

وعندما عاد إلى وطنه سأله الطائر عما إذا قد جاءه بأخبار طيبة من الهند.

فقال التاجر: كلا، وأخشى أن تكون أخباري سيئة، فقد سقط أحد أقاربك ميتا عندما ذكرتك أمامهم!

وما إن سمع الطائر كلام التاجر حتى سقط ميتا هو الآخر!

فقال التاجر: لقد قتلت عصفورين!

وقام بإخراج طائره من القفص، ووضعه على الشرفة.

عندها قفز الطائر بسرعة، وطار إلى شجرة قريبة، وقال للتاجر:

إنك تعلم الآن أن ما ظننته كارثة كان خبرا طيبا لي.. وكيف وصلتني الرسالة من قريبي أن بهذه الطريقة أستطيع أن أحرر نفسي!

هذه القصة تضرب في ذكاء الرسائل، والشيء بالشيء يذكر، عشق توبة بن الحمير ليلى الأخيلية عشقا تحدثت به العرب، وقد ضاق إخوتها به ذرعا، فعزموا على قتله حين يأتي لرؤيتها، وأرادت أن تحذره قبل أن يصل إليها، فلما علمت بقدومه، صعدت أعلى الجبل، وكشفت عن وجهها، وكان من عادتها أنهما إذا التقيا تبقي على خمارها ولا تنزعه، فلما رأى توبة هذا المشهد، عرف أن خطبا ما قد حدث، وأنها تريد منه أن يرجع، وخلد توبة هذه الحادثة ببيته الشهير:

وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت

لقد رابني منها الغداة سفورها

ومن ذكاء الرسائل أيضا، كان في مدينة حلب أمير ذكي شجاع هو «علي بن منقذ» وكان تابعا للملك «محمود مرداس»، وحدثت خصومة بين الملك والأمير، وعزم الملك على قتل الأمير، وأمر كاتبه أن يكتب رسالة بالأمان إلى الأمير ليغريه بالحضور ثم يقتله!

وكان كاتب الملك صديقا لعلي بن منقذ، وأراد أن يحذره بطريقة ذكية خصوصا أن الملك سيقرأ الرسالة ويمهرها بختمه!

فكتب الكاتب رسالة عادية جدا وختمها بقوله: إنَّ شاء الله تعالى.

ولما قرأ علي بن منقذ الرسالة، وقف على: «إن» مطولا، لأنه يعرف أن صديقه لا يخطئ في مثل هذا، فقال إنه يحذرني، لقد أراد أن يقول لي: «إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك»

ومن هذه القصة جرى المثل الشائع الذي يضرب لكل مسألة فيها شك وغموض: المسألة فيها إنَّ!