جاء في تقرير «الرقمية 2022: المشهد العالمي» ارتفاع عدد مستخدمي الإنترنت في العالم إلى 4,95 مليار بنسبة 62,5 % من إجمالي السكان، واستخدم أكثر من ثلثي سكان العالم ما يعادل 67,1 % الهاتف المحمول، وهؤلاء قضوا 12,5 تريليون ساعة على الإنترنت عام 2021، وهذه الأرقام الهائلة تكشف حجم التدفق المعلوماتي الخيالي على مدار الساعة، مما استدعى الباحثين إلى إجراء بحوث ودراسات لتطوير تقنيات المعلومات، ووضع معايير يمكن بتطبيقها تقييم المعلومات، وشهد العالم على أثر هذا سباقا محموما في مضمار الاكتشافات والابتكارات والاختراعات، قادته ولا تزال تقوده الدول الصناعية الكبرى، وفي المقدمة الولايات والمتحدة الأميركية والصين واليابان وألمانيا، أسفرت عن كم هائل من المعلومات التي تعد من أصول المؤسسات، تدر عليها أرباحا طائلة من خلال تداولها، فهي بمثابة سلع تباع وتشترى.
بدأت هذه البحوث والدراسات تطرح مصطلحات جديدة تلك التي سمعنا بها في السنوات الأخيرة، من قبيل العولمة ويقصد المروجون لها توحيد دول العالم على نظام اقتصادي واجتماعي واحد رغم اختلاف الجنسيات، ومصطلح الحوسبة أي تعظيم قدرات الحواسيب الآلية من خلال تطوير الذاكرة والشبكة ووحدات التخزين، ومصطلح الدولرة أي قيام الناس بتحويل السيولة المالية المحلية لديهم عند انخفاض قيمتها إلى دولارات، أما مصطلح الحوكمة، فهو ما نستطرد في شرحه كمدخل للحديث عن حوكمة المعلومات، كونها على درجة بالغة من الأهمية، لارتباطها مباشرة باقتصاد المعرفة والملكية الفكرية والأمن المعلوماتي.
لمصطلح الحوكمة رغم حداثته عشرات التعريفات صيغت بعبارات وألفاظ مختلفة، لكنها تلتقي في النهاية عند معنى واحد مفاده حزمة من القواعد والقوانين والمعايير والإجراءات التي تنظم إدارة المؤسسات، وتراقب عملها، وتحدد العلاقة بين أطرافها، وتقرب وجهات النظر بين أصحاب المصالح فيها، على أساس من تحقيق مبادئ العدل والشفافية والمساواة، وبهذا المفهوم تكون الحوكمة ذات تأثير إيجابي تحمي المال العام، وتوفق بين كل الأطراف وتضمن حقوق أصحاب الأسهم والسندات، باستخدام الأدوات المالية والمحاسبية السليمة وفقا لمعايير الإفصاح والشفافية الواجبة.
ولن تتمكن أية مؤسسة من تطبيق حوكمة في تنظيم إدارتها ما لم تنجح في تطبيق حوكمة معلوماتها، ففي كتابه «الثقافة عملنا» تنبأ مارشاكل ماكلوهان باندلاع حرب معلومات عالمية لا تقل خسائرها عن خسائر الحرب العسكرية، وفي أحدث كتبه «الجمهورية الرقمية» قال المؤلف البريطاني جيمي ساسكيند: علينا بحوكمة المعلومات حتى لا تدور إطارات آلات الفوضى.
والسؤال هنا ما المقصود بحوكمة المعلومات؟ الجواب باختصار يقصد بها تحديد الحقوق المنوطة بأصحاب القرار والحق في المساءلة، سواء كانوا أفرادا أو جهات أو حكومات لضمان السلوك المناسب للحفاظ على المعلومات، وتخزينها واستخدامها وتقييمها وأرشفتها وحذفها في حال عدم جدواها، لأن التخزين يكلف المؤسسة أموالا طائلة، وكل هذا من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف أبرزها تعظيم قيمة المعلومات، ومنع المخاطر، وخفض التكاليف.
بالنسبة لتعظيم المعلومات أي اعتبارها أصلا مهما من أصول المؤسسة، كالأبنية والمنشآت، وكسلعة من السلع تباع وتشترى، وكمصدر لاستنباط رؤى سليمة تفيد في عملية اتخاذ القرار، ولأهمية المعلومات ارتأت دول كثيرة إنشاء ما يسمى ببنوك المعلومات.
لذلك وجب حماية المعلومات لدرء المخاطر التي يمكن أن تهدد المؤسسة جراء عمليات القرصنة والاختراق، وسرقة المعلومات أو العبث بها وتخريبها، أو تسريبها إلى المؤسسات المنافسة بواسطة موظفين غير أمناء أو غاضبين لشعورهم بظلم واقع عليهم، ودرء المخاطر يكون من خلال رقابة فاعلة بشرية وآلية ورقمية، وإجراء عمليات تدقيق دورية لامتثال الموظفين، والعمل مع مسؤولي الوحدات الأعمال لوضع إجراءات تصحيحية صارمة لأي خطأ وقع.
ويدخل في الأهداف كذلك خفض التكاليف، سواء كانت تكاليف إنشاء المعلومات أو حفظها أو تخزينها، من خلال تعيين خبراء لهذه المهام من أهل الثقة والخبرة معا، يتمتعون بثقافة الإتقان، ويدركون قيمة المعلومات وأهمية الانتماء والولاء للمؤسسة.
ولأهميتها بدأت الدول في الآونة الأخيرة تولي الحوكمة اهتماما كبيرا، ففي دولتنا تعمل الحكومة على التمكين للحوكمة من خلال ممارسات الإدارة الرشيدة في المؤسسات الحكومية، من أجل الحفاظ على موارد الدولة والمجتمع، وذلك وفق عدد من القيم والحوافز التي تساعد على تحقيق التنمية الاقتصادية والسياسية ومساندة التحول نحو الرقمية وبناء ثقة المواطن في الحكومة، وغرس ثقافة احترام الوظيفة العمومية، ودعم المشاركة والنزاهة والشفافية والمساءلة القانونية.