+ A
A -

هل سمعت عن صندوق سكينر؟ إنه تجربة عالمية مشهورة قام بها أخصائي علم النفس «سكينر»، تندرج ضمن واحدة من نظريات التعلم السلوكية. وقد صنفت الجمعية العلمية لعلم النفس «سكينر» كواحد من بين أفضل 20 عالماً في القرن العشرين، متفوقاً في التصنيف على «سيجموند فرويد».

وعند الحديث عن نظريات التعلم، فإننا نلاحظ أن هناك نوعين هما: النظريات الارتباطية، والنظريات المجالية. في النظريات الارتباطية كل مثير يؤدي إلى استجابة محددة. ومن أشهر النظريات في المدرسة السلوكية الارتباطية هي نظرية سكينر، ونظرية بافلوف، ونظرية ثورنديك.

بينما تقوم نظرية بافلوف على مبدأ تقليدي قديم يقتضي أن أي مثير أقدمه، يؤدي إلى حدوث استجابة، الأمر الذي يضع المتعلم في موقف سلبي يتمثل في كونه يتلقى المعلومة فقط دون مشاركة وتفاعل حقيقيين (مجرد مستمع أغلب الوقت)؛ فإن نظرية سكينر تعتمد على مبدأ التفاعل ما بين المعلم والمتعلم، بدلاً من بقاء التلميذ مجرد متلقٍّ للمعلومات فحسب. حيث تقتضي تكليف التلامذة بالقيام بأنشطة تفاعلية لتعزيز اكتساب المعرفة. وقد أثبتت هذه النظرية كونها وسيلة مهمة في تقديم مناهج تربوية فعالة.

قبل الحديث عن تجربة سكينر الشهيرة في الأوساط العلمية، لا بد أن ننوه إلى أن «سكينر» كان ينتمي إلى المدرسة السلوكية المتطرفة، القائمة على فكرة أن علم النفس يجب أن يدرس السلوك ولا شيء آخر، في محاولة من «سكينر» إلى جعل علم النفس قريباً من العلوم التجريبية، كون السلوك شيئاً يقبل القياس.

بينما كان سكينر معروفاً بإجرائه للعديد من التجارب على الحيوانات، فإنه صمم ذات مرة صندوقاً معتماً ومانعاً للصوت، وضع فيه فأراً أراد له أن يتواجد في مكان بعيد عن أي ضوضاء تخيفه، حتى يتمكن من دراسة سلوكه واستجاباته.

وحيث إن سكينر ميز بين نوعين من السلوك هما: السلوك الاستجابي، القائم على فكرة أن كل مثير يسبب استجابة معينة كما تؤكد نظرية بافلوف؛ والسلوك الإجرائي القائم على استجابات تلقائية لا تحفزها أو تحركها أي مثيرات خارجية، وهو غاية تجربة صندوق «سكينر»، التي حاول من خلالها قياس استجابات الفأر التلقائية عند وضعه ضمن موقف معين، بعيداً عن أي محفز أو مثير خارجي.

في التجربة، أدخل الفأر في الصندوق الذي تم إقفاله بعدها مباشرة، دون إمداده بالطعام؛ والذي يحوي رافعة صغيرة لها زر مخصص. كان سكينر يراقب كم مرة سيضغط الفأر على زر الرافعة، أو سيقوم باستجابات عفوية غير متوقعة.

في البداية طبعاً، كان الفأر يقوم بحركات عديدة، مثل حك أنفه، والدوران في مكانه، ومحاولة الخروج من الصندوق المظلم، والبحث عن طعام. أثناء حركاته العشوائية تلك، لوحظ أن الفأر ضغط على زر الرافعة عدة مرات.

بعد ذلك تم ربط زر الرافعة بالطعام، بحيث عندما يضغط الفأر على الزر في المرة القادمة سينزل إليه الغذاء؛ فلوحظ أن الفأر يقوم بنفس الاستجابات التلقائية السابقة. لكن مع تكرار التعزيز الإيجابي ما بين الضغط على الزر ونزول الطعام، بدأ الفأر يربط بين الأمرين، الأمر الذي دفعه إلى الضغط على زر الرافعة كلما أراد الطعام، مع انخفاض قيامه بالسلوكيات الأخرى (الدوران حول نفسه، القفز.. إلخ).

بعد ذلك، وضع سكينر صاعق كهربائي بسيط جداً، وعلى الفأر تجنب هذا الصاعق. فبدأ الفأر يفعل نفس السلوكيات التلقائية، حتى اكتشف في النهاية أن هناك زراً إذا ضغط عليه، فإنه يوقف الصاعق الكهربائي.

وبعدها لم يعد سكينر ينزل الطعام للفأر بناء على ضغط زر الرافعة، بل بعد أن تتم إضاءة الصندوق من خلال الضغط على زر آخر. ومع الوقت اكتشف الفأر، بأن عليه إضاءة الصندوق قبل الحصول على الطعام، مما عزز هذا السلوك لديه.

نفس الشيء فعله بالنسبة للصاعق، حيث ربط بدء عمل الصاعق بإضاءة الصندوق قبل ذلك بلحظات، فعرف الفأر مع التكرار أن عليه الضغط على زر لإطفاء الضوء، لتفادي تعرضه إلى أي صعقة كهربائية تأتي عقبه.

نستنتج من التجربة، أن أي سلوك نريد تعزيزه، علينا أن ندعمه أكثر، ونربطه بشيء مرغوب لدى المتعلم. كما أنه بالإمكان تعزيز أي سلوك آخر، دون ربطه بمعزز إيجابي، بل بمعزز سلبي يدفع المتعلم للقيام بفعل معين، تجنباً لحدوث أمر غير مرغوب فيه.

باختصار، إن تجربة «صندوق سكينر» ألقت الضوء على فوائد الثواب والعقاب في عملية التعليم. حيث يمكنك تعزيز تعلم الطالب من خلال ربط ذلك بمعزز إيجابي أو سلبي. وعند تطبيق ذلك في الحياة الأسرية مثلاً، نجد التعزيز الإيجابي المتمثل في مكافأة الطفل على سلوك محبب، يعزز ميله إلى تكرار هذا السلوك، في مقابل أن معاقبة الطفل على سلوك خاطئ، أمر يؤدي مع الوقت إلى تجنب الطفل القيام به مجدداً. أما من خلال التعزيز السلبي فإنك تدفع الطفل إلى محاولة تفادي العقاب المحتمل والمرتقب من خلال القيام بالسلوك الذي تريده أن يقوم به.حمد حسن التميميInstagram: @hamadaltamimiii

copy short url   نسخ
03/10/2022
2700