روى الشعبيُّ أنَّ عمرو بن معديكرب خرجَ في الجاهليةِ للسلب، فانتهى به المطاف إلى غديرٍ عنده فرس مشدودة، ورمح مركوز، وصاحبها يقضي حاجته.
فقالَ له عمرو: خُذْ حِذركَ فإني قاتلكَ!
فقال: ومن أنتَ؟
فقالَ له: عمرو بن معديكرب.
قال: يا أبا ثورٍ ما أنصفتني، أنتَ على ظهرِ فرسكَ، وأنا راجل، فأعطني عهداً أنك لا تقتلني حتى أركب فرسي وآخذ حِذري.
فقالَ له: لكَ هذا!
فمشى الرجلُ وجلسَ تحت شجرة!
فقالَ له: ما هذا؟
قال: ما أنا براكبٍ فرسي، ولا مقاتلك، فإن أردتَ أن تنكثَ عهداً قطعته فأنتَ وما ترى!
فقالَ له: ما كنتُ ناكثاً عهدي!
فتركه ومضى!
الحُرُّ تربطه كلمته، والنذلُ لا تربطه عقود العالم كلها!
ورحمَ اللهُ زماناً كانَ الرجلُ فيه إذا قالَ كلمةً، أو أعطى عهداً، أنفذه ولو على قطعِ رقبته، فلا شيء أقبح من الغدر، كرهه العربُ في الجاهليةِ لأنه من عارِ الأخلاق، وكرهه الإسلامُ لأنه دين الأخلاق!
فقالَ سيدنا: لكل غادرٍ لواء يوم القيامة، يُقال: هذه غدرة فلان!
كانتْ العربُ في الجاهلية تقعدُ عن الحربِ في الأشهر الحُرُم، ولو رأى الرجلُ قاتلَ أبيه لا يقربه، وكانتْ العربُ إذا جاءتْ إلى الحجِّ وضعتْ أسلحتها عند عبد الله بن جدعان، وكانَ رجلاً ذا مروءة، فإذا أتمَّتْ حجها أخذتْ أسلحتها وانصرفت!
ودارتْ حربُ ألفِجار بين كِنانة وهوازن، وفي موسمِ الحجِّ وضعتْ هوازن سلاحها عندَ عبد الله بن جدعان، فجاءه حرب بن أُمية سيد كِنانة، وقالَ له: اِحتبِسْ سلاح هوازن!
فقالَ له عبد الله بن جدعان: أبالغدرِ تأمرني يا حرب؟ واللهِ لو أعلمُ أنه لا يبقى منها سيف إلا ضُرِبْتُ به، أو رمح إلا طُعِنْتُ به، ما أمسكتُ منها شيئاً!
يا للوفاءِ يا عبد الله بن جدعان، هوازن أعداؤه، وستستخدمُ هذا السلاح ضده في المعركةِ القادمة، ويأبى إلا أن يفيَ بعهده، ويُؤدي أمانته!
هذه أخلاقُ العربِ في الجاهلية، فكيف يجب أن تكونَ أخلاقنا في الإسلام؟!