+ A
A -

جُرّت الاتفاقية التي وقعتها حكومة الوحدة الوطنية مع الحكومة التركية مؤخرا إلى عمق الصراع السياسي الليبي ما بين مهلل بنصر تحقق ومكسب كبير تم تحصيله وآخر يندب سيادة ليبيا التي تعرضت لمزيد من الانتهاك وبينهما مساحة للمواقف المتناقضة لكنها أقل حدة وعدائية.. قليل من بين المتنازعين من أخضع الاتفاقية للنقاش بحيادية وموضوعية، والغالب كانت مواقف رسم ملامحها الاصطفاف السياسي، غير أن تأثير العامل الإقليمي بدا واضحا في توجيه الأحداث.

وعليه يمكن القول إن المصالح بالمفهوم السياسي كانت بوصلة توجيه مواقف مختلف الأطراف المحلية والخارجية، فأنقرة لأسباب تتعلق بتقوية موقفها في الصراع بمنطقة شرق المتوسط وتعزيز نفوذها الاقليمي تحتاج أن تتقدم خطوة ضمن اتفاق النفوذ الاقتصادي البحري الذي سبق توقيعه مع الحكومة الشرعية منذ عامين، والاتفاقية الجديدة تحقق لها ذلك من خلال الانتقال من ترسيم الحدود وتحديد إطار قانوني لها عبر الاتفاقية الأولى إلى الادوات التنفيذية من خلال الاتفاقية الثانية.

حكومة الوحدة الوطنية، من جهتها، تحتاج إلى ترضية الحليف الذي يعترف بها كحكومة شرعية وساندها في مواجهة جبهة طبرق ـ الرجمة وكان له دوره الحيوي في إفشال خطة تثبيت حكومة باشاغا في العاصمة، وهذا يعني لها الكثير في هذه المرحلة، ولأنها في وضع لا خيار لها فيه فقد اتجهت إلى منطق التبرير الذي رأت أنه يسعفها في مواجهة حملة التخوين كون الاتفاقية الجديدة تحصيل حاصل بالنظر إلى اتفاق النفوذ الاقتصادي والبحري الذي التزمت بتوقعيه مع الطرف التركي حكومة الوفاق الوطني في نوفمبر 2019م.

الوضع السياسي الملغوم والمرحلة الحرجة التي تمر بها البلد يساعد في قبول أراء من انتقدوا الاتفاقية مرتكزين على أنها تخالف مقاربة الأولويات لحل النزاع، فالبلد ليس من أولوياته التنقيب على النفط والغاز، بل هو في أمس الحاجة إلى التفاهم على التسوية السياسية وما فيه لملمة الليبيين الذين تشعب بهم النزاع في طرق ومسارات نهاياتها أبعد ما تكون عن التوافق.

بالمقابل، فإن ما وقع لا يستلزم ردة الفعل المحمومة، وحتى اضطراب الأولويات، الذي سبقت الإشارة إليه، لا يبرر الموقف العدائي للاتفاقية، ولأن مضامين الاتفاقية لا تشكل في المجمل انتهاكا للسيادة الليبية أو تسليم البلد للأتراك، كما يقول المعترضون، بل إنها تحقق للبلد مكاسب كانت في مهب الريح، فإن أقصى الأراء تشددا يعكس درجة التوتر بين الأطراف المتنازعة واستعدادها للسير قدما في مواقفها ولو ضيعت تلك المواقف مصالح عامة أو قادت إلى مفاسد ظاهرة.{ عربي 21

copy short url   نسخ
09/10/2022
20