انتشرت مؤخرا على شبكات التواصل الاجتماعي مشاهد مفزعة لجرائم وقعت في مصر وفي دول عربية أخرى. وهي جرائم ما كانت لتُنقل بهذه المشاهد لولا الثورة الرقمية وانتشار الهواتف الذكية وقدرة الخبر على الانتشار وعبور مكان حدوثه. لكنها من جهة أخرى كاشفة عن التحولات الخطيرة التي عرفتها مجتمعاتنا والخلل الطارئ على منظومات السلوك الفردي والجماعي.

الجريمة شكل من أشكال العنف الفردي وهو ككل الظواهر الاجتماعية والنفسية ينمو ويتطور أو يضعف ويندثر حسب قدرة السياق على تحقيق شروط النمو أو أسباب الاندثار. كان العنف في مرحلة ما قبل الثورة الرقمية حاضرا بقوّة في المساحة العربية لكنه كان عنفا غير معلنٍ لأنه بقي منحسرا في فضاءات معلومة ومناطق محدودة. وهو كذلك حاضر على المستوى الرمزي في العنف الإعلامي والقيمي واللفظي والسياسي والديني وغيرها من المستويات الرمزية غير المرئية التي تضاعف من منسوب العنف وحدته.

كانت الثورات والاحتجاجات التي عرفتها المنطقة مؤخرا حالة مكتملة من التغير الاجتماعي والسياسي حيث انكشف ما كان خافيا من أدوات العنف وقدراته الفتاكة. وهو ما لا يقتصر على منسوب القمع الذي ووجهت به الثورات وما ظهر في سلوكات الجماعات المسلحة والمليشيات العابرة للدول مما ساعد في خلق أسباب قمع الاحتجاجات السلمية والقضاء عليها بحجة محاربة الإرهاب والتطرف. كشفت الثورات أن الشعوب كانت تسبح فوق محيطات من القابلية للعنف والتطرف والتقاتل. من كان يصدّق أن يتقاتل الليبيون والسوريون والمصريون واليمنيون بكل هذا العنف بقطع النظر عن دور الأنظمة والقوى الخارجية ؟ من كان يصدّق أن تتحوّل العقيدة بما هي أعلى رافعة للسلم الاجتماعي والسلام الفردي ونبذ العنف ومحاربة الاقتتال إلى وسيلة تشرّع لغير ما جاءت من أجله ؟

ليس العنف الذي ترتفع مؤشراته إلا دليلا على حالة الاحتقان التي تعيشها الأجيال الجديدة بعد انسداد كل آفاق التغيير وانتشار البطالة والمخدرات، العنف الظاهر هو في الحقيقة ردة فعل على عنف سابق قد يكون مرئيا وقد لا يكون كذلك. من جهة أخرى لا تبدو الأنظمة الحاكمة على عجلة من أمرها في محاربة هذه الظواهر بل تبدو مشجعة لها ساهرة على رعايتها لكن العنف سلاح ذو حدين فهو قادر من جهة أخرى على تأجيج الاحتجاجات وربما على إشعال فتيل ثورة جديدة.hnidmohamed@gmail.com -