للأمثال العربية معانٍ وعبر كثيرة، فهي مستقاة من وحي الحياة الواقعية وزاخرة بالحكايات والقصص المملوءة بالحكم والمعاني الإنسانية العميقة، لذلك بقيت حاضرة في ذاكرة شعوب الوطن العربي حتى يومنا هذا.
ومن تلك الأمثال الشهيرة مثل يقول: «لا ناقة لي فيها ولا جمل» الذي يُنسب ظهوره إلى حرب البسوس التي نشبت قبل ظهور الإسلام في عام 494 م، بسبب ناقة تملكها امرأة تدعى البسوس بنت منقذ التميمية. أما القصة فتبدأ عندما قررت المرأة زيارة ابن أختها «الجساس بن مرة الشيباني»، فدخلت في أحد الأيام وهي مرتحلة على ناقتها أرض إحدى القبائل العربية التي يحكمها ملك اسمه كليب بن ربيعة من قبيلة تغلب، والذي اشتهر ببطشه وقسوته وجبروته.
وبعد أن أقامت البسوس في ضيافة أختها، وربطت ناقتها بجوار ناقة جار لهم اسمه «سعد الجرمي»، مرت إبل الحاكم كليب بن ربيعة، ففلتت ناقة البسوس من رباطها ودخلت بين إبل كليب، الذي ما كان منه إلا أن قتلها على الفور بسهم أطلقه نحوها.
علم جساس بن مرة بما جرى، فغضب بشدة، فقتل الحاكم كليب انتقاماً لما حدث، لتشتعل الحرب بين قبيلتي تغلب (قوم جساس) وبني شيبان (قوم كليب)، وأطلق عليها اسم «حرب البسوس»، نسبة لاسم صاحبة الناقة، لتستمر أربعين عاماً دون توقف.
أثناء الحرب، كان هناك رجل حكيم راجح العقل، يتسم بالرأي السديد، والدهاء الحربي، والخبرة في الحرب، اسمه الحارث بن عباد المعروف بأبي منذر أو فارس النعامة، حيث كان الناس يأتونه طلباً للنصح والمشورة، وبقصد حل النزاعات التي تقع بينهم. فما كان من بني شيبان إلا أن لجؤوا إليه بغية ضمه إلى صفوفهم ضد عدوهم قبيلة تغلب، لكنه قرر هو وأهله عدم الاستمرار في الحرب؛ لأنه رأى بأن قتل رجل بسب ناقة أمر لا يجوز. وحين سُئل الحارث عن السبب الذي دفعه إلى اعتزال الحرب رد قائلاً: «هذه حرب لا ناقة لي فيها ولا جمل»، أي لا علاقة لي بها، ولا يضرني في شيء. وبعبارة أبسط فهو يقصد أن سبب الحرب ليس مسوغاً كافياً له كي يحارب في سبيله. لكنه غير رأيه فيما بعد وعاد للمشاركة فيها انتقاماً لمقتل ولده خلالها.
وقد شاع المثل الشهير «لا ناقة لي فيها ولا جمل»، في كثير من القصائد الشعرية العربية. فها هو الطغراني يقول: أرى نهاباً تُساق حافلةً لا ناقةٌ لي بها ولا جملٌ. وظل مضرباً في الشؤم وسوء الطالع، حيث كان العرب في الزمن الغابر يقول عن الرجل المشؤوم أو الفعل المستنكر الذي يجلب لصاحبه العار: «أشأم من البسوس»، في إشارة إلى أن البسوس كانت سبباً في الحرب المشؤومة التي قامت بين قبيلتي تغلب وبني شيبان لسنوات طوال.
العبرة من المثل:
على الإنسان أن يتجنب الخوض في أمور لا علاقة له بها، وأن يفكر جيداً قبل اتخاذ أي قرار قد يكون سبباً في هلاك أناس آخرين دون سبب وجيه.Instagram: @hamadaltamimiii