+ A
A -

جِيء إلى ابنِ النَّسوي برجلين قد اتُهِما بالسَّرقة، أحدهما مُذنب والآخر بريء، فأقامهما بين يديه.

ثمَّ نادى خادمه: يا غُلام، شربة ماء.

فأخذَ الكوب وجعلَ يشرب، ثم ألقاه عمداً من يدِهِ فانكسر.

فارتعدَ أحدُ الرجلين لانكساره، وثبتَ الآخر.

فقالَ للذي ارتعدَ وخاف: لستَ اللص، عُدْ إلى بيتكَ!

وقالَ للآخر: رُدَّ ما سرقتَ!

فقِيل له: من أين علمْتَ هذا؟

فقال: اللصُّ قويُّ القلبِ لا يرتعدُ، وهذا الذي ارتعدَ بريء، لأنه لو تحرَّكَتْ في البيتِ فأرة لأخافته ومنعته أن يسرق!

يا للجُرأةِ وقوةِ القلبِ لو كانتْ في الحق!

يا لبأسِ قاطعِ الطريقِ لو جعلَ هذه الشجاعة جهاداً في سبيل الله، ودفاعاً عن شرعه، وإعلاءً لكلمته!

يا لبأسِ حسنِ الصوتِ يُريقه في الأغاني لو جعلَ هذا الصوت قرآناً يُتلى، وسفيراً للرحمنِ في آذانِ خلقه!

يا لبأسِ الغنيِّ المُبذِّرِ لو جعلَ هذا صدقاتٍ، لوجدَ لذةَ العطاءِ أجمل من لذةِ إشباعِ الشهوات، وكانَ مالاً باقياً يسبقه إلى قبره فإذا ما دخلَهُ وجدَهُ ينتظرُهُ هناك!

إنَّ مشكلةَ الناس ليس الافتقار إلى الطاقاتِ والإمكانات، وإنَّما وضعها في غيرِ موضعها!

لم يكُنْ أبو جهل تنقُصُه الشجاعة، ولكنها شجاعةٌ وُضِعَتْ في باطل!

ولم يكُنْ أُميَّة بن خلف ينقصُهُ المال، ولكنه مالٌ وُضِعَ في الصَّدِّ عن الحق!

ولم يكُنْ عُتبة بن ربيعة ينقصُهُ العقل والرأي، ولكنه عقلٌ مشى على استحياء، ورأيٌ أهلكَ صاحبه!

يُسألُ المرءُ عما أُعطِيَ من قدرات، أين وضعها، وفيما استخدمها، الشجاعة، والمال، والعلم، والعقل، والمرتبة الاجتماعية، والوظيفة، فإن كانتْ في سبيلِ الله، فنِعمَ القُدرة ونِعمَ الاستثمار، وإن كانتْ في سبيلِ الشيطانِ فبِئسَ الاستثمار!

copy short url   نسخ
11/10/2022
1005