+ A
A -
أنهى العاهل البحريني زيارة رسمية للعاصمة التركية جاءت في توقيت دقيق، من حيث وقوعها بعد ميلاد الجمهورية الثالثة التركية، وحضور قوة الرئيس أردوغان كأول رئيس مدني تخضع له دستورياً وإدارياً القوات المسلحة التركية.
كما أن الصورة الودية التي عمّمتها وكالة واس السعودية، لعناق الأمير محمد بن سلمان للرئيس التركي، على هامش قمة العشرين الاقتصادية، تؤشّر أن هناك موقفاً خليجياً جديداً، قد يتجه إلى سياق الخيار الذي حددته الدوحة مسبقاً، في تقييمها لهذا الحليف الإقليمي المهم.
وأول ما يتبادر له السؤال، هو ما الذي ممكن أن تشكّله تركيا الجديدة للخليج العربي إجمالاً، وخاصة لمملكة البحرين، وما هي مساهمتها في التوازنات الاستراتيجية للأمن البحريني، ومعروف أن الخطر الاستراتيجي الأول بحسب العقيدة السياسية للمنامة هو التقدم الإيراني نحو سواحلها.
أو دعم أي تحرك داخلي أسوة بثورة حسن مشيمع الطائفية، وتكرار إعلان البحرين جمهورية طائفية بدعم مباشر من إيران، وإنزال قوات عسكرية مساندة لأي تمرد، فضلا عن الواقع السياسي الذي تعيشه المملكة تحت الانقسام الطائفي، وأزمة الحوار الوطني وتعقده، بعد حل «جمعية الوفاق»، أبرز جمعيات المعارضة الشيعية الموالية لإيران.
هناك دور إيران الواسع في الإمداد المالي والسياسي الضخم والتدريب اللوجستي للعنف الأخير، والذي تتعزز مخاطره، في ظل فشل مشروع الحوار الوطني، الذي أعلن مع تقرير بسيوني لتقصي الحقائق، وأجّل مشروعه الختامي التوافقي بين الدولة والمعارضة الشيعية، وبعد ذوبان حركة الفاتح الوطنية، التي وقفت في وجه التمرد الطائفي وانتهائها من المسرح السياسي.
ولعل أول ما يتم استدراكه في هذا الشأن، هو ما الذي يمكن أن تقدمه أنقرا في ظل تحسن العلاقات التركية الإيرانية؟
ولقد جرت أحاديث واسعة عن هذه العلاقات لكنها تحت المبالغة والتهويل، فاستراتيجية تركيا مع إيران لم تَنزع أبداً للدخول في صراع مسلح معها ولا قطيعة، حتى في أوان نقد الرئيس أردوغان، للتدخل الطائفي الشرس، الذي لا يزال يتردد في أروقة مؤسسة الرئاسة، فهذا التصعيد كان يُضبط في علاقات التوازن، لكن الجديد خشية تركيا من عبور الحرب المذهبية إلى داخلها، خاصة بعد وصول التكفير المسلح لمناطق القوقاز، واستهداف مطار أتاتورك في تفجير دموي خطير، خلال تأزم العلاقات مع موسكو.
والخطوط العامة في هذه الملفات تبقى أقرب للرئيس أردوغان، من رئيس الحكومة السيد بن علي يلدريم، وإن كان هناك توافق عام عليها، وهي تهدئة بالجملة مع الجوار الإقليمي، يسمح لتركيا الجديدة، بتغيير قواعد اللعبة في شمال سوريا، وهنا نقطة مهمة للغاية في معرفة الموقف الإيراني، فطهران كانت الراعي الرئيس للبي واي دي، مع واشنطن، وضرب هذا البي واي دي لا يتوافق مع مصالحها، وان اضطرت للتعامل معه لا القبول به.
ولا يُستبعد أن تُراهن على جولة جديدة لنقضه، بعد انسحاب الجيش التركي، والعودة للعب ببطاقة صالح مسلم مجدداً، إلا أن موقف أنقرة في أي محاولة جديدة سيكون أكثر حدة مع طهران، إضافة إلى أن تركيا منذ فترة تؤمن بأن هناك مشروعاً طائفياً تصدره إيران، حتى ولو استمرت مصالحهما وعلاقاتهما، فهناك دائرة شك كبيرة تتعاظم، بعد الاصطدام السياسي العنيف في سوريا.
وهو ما يعني أن ملف هذه العلاقات، لايزال يحمل مساحات خصبة، وإيجابية للخليج العربي لخلق هذا التوازن المهم، فتعزيز الاتفاقات الاستراتيجية مع أنقرة، لا يزال يخلق توازن لا يمكن تعويضه، كما أن هذه الاتفاقات حين تعزز على الأرض، فهي تعطي رسائل مبكرة للطرف الإيراني، تستبق أي اندفاع سياسي أو غيره إلى الضفة الأخرى من الخليج العربي.
وهنا لا نطرح التعاون التركي الخليجي كمنظومة وحيدة، ولكننا نطرح مسار توازن حسّاس للغاية، في ظل وجود قواعد أجنبية، لا يُضمن أبدا تقييمها لأي تطورات في ساحل الخليج العربي، وغدرها بمن ترك كل بيضه في سلتها.

بقلم : مهنا الحبيل
copy short url   نسخ
08/09/2016
3768