روى الإمام «أحمد بن حنبل» أنه لما فُتِحَتْ جزيرة قبرص ودخلتْ تحت حكم المسلمين، كان الصحابي الجليل «أبو الدرداء» من ضمن الفاتحين، وانشغلَ المسلمون يومها بما فتح الله عليهم، بينما جلس أبو الدرداء وحده يبكي!فقال له «جُبير بن نُفير»: ما يبكيك في يومٍ أعزَّ الله فيه الإسلام وأهله؟فقال أبو الدرداء: ويحكَ يا جُبير، ما أهون الخلق على الله عزَّ وجل، إذا أضاعوا أمره، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك، ترجو أمر الله فصاروا إلى ما ترى!كانت العربُ في الجاهلية قبائل متناحرة، يغرو بعضها بعضاً، وتدور بينهم الحروب على الكلأ والماء، بعضهم يتبع الروم، وبعضهم يتبع الفرس، والذي لم يكن لا هنا ولا هناك، كان يخوض الحروب الطوال لأجل سباق نوق!ثم نظر الله تعالى إليهم نظرة عطف، فتحنن وتكرَّم، وأرسل لهم خيرة أنبيائه ورسله، فقلبَ به الدنيا رأساً على عقب، وغيَّر وجه الأرض إلى الأبد!حولهم من رعاة ماشية إلى قادة أُمم، وصانعي حضارة!ومن متنازعين فيما بينهم إلى قوة مهولة متحدة أمام أعدائهم!وفي بضع سنين حطموا الإمبراطوريات التي كانوا يتبعونها! إنه لم يُغيِّر وسائل الإنتاج كما تدعي الشيوعية أنها لا تغيير للمجتمعات إلا بها!ولم يُحرِّر الاقتصاد، ويُنشئ الشركات العملاقة العابرة للقارات كما تدعي الرأسمالية أنه لا تغيير للمجتمعات إلا بها!لقد هدم أفكار الجاهلية، وبنى بدلاً منها عقيدة راسخة!لم يصنع المحاريث، ولا طوَّرَ أدوات الزراعة، ولم يُنشِئ أسواقاً للأسهم كذلك! وإنما دخل إلى قلوب العرب، أنارها بكلمة التوحيد، ودخل إلى عقولهم فأراهم حقيقتهم وحقيقة الدنيا، وحمَّلهم أمانة الدعوة، حتى دخل ربعي بن عامر على كسرى وقال له: نحن قوم بعثنا الله لنُخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد! ما قامت لنا قائمة إلا بهذا الدين، ولن تقوم مجدداً إلا بهذا الدين! وما قامت حضارة الأندلس التي كانت منارة الدنيا إلا تحت عباءة هذا الدين، وما هُنَّا على الأمم إلا لأننا أولاً هُنَّا على الله حين تركنا أمره! فينا الصالحون نعم، وبيننا عُبَّاد كثر هذا صحيح، ولكننا نهاية المطاف أمة لا أفراداً، ولن نعود سيرتنا إلا عندما تعود الأمة صالحة كرجل صالح!