+ A
A -
كانت كل ملامح الحضور، والرأي المشارك والحيوية، بين المحاضَرَين والضيوف، رسائل تقفز بين عيني، في الندوة الافتتاحية لصالون الشرق الثقافي بإسطنبول، ولأول مرة أرقب هذا المستوى من التدفق والحماسة للأخوين المفكرين الكريمين د.عمر الفاروق قرقماز مستشار رئيس الوزراء التركي للشؤون الفكرية، وأ.توران كشلاكجي مدير تي آر تي العربية، وهما يُحدثان المحفل والمهجر العربي.
وفي ذات الوقت كان الحضور المتعدد من المدرسة السلفية الشامية، والأزهرية والمستقلين، وتيارات فكرية عربية عديدة، وشخصيات ثقافية، تحمل ذات الانسجام، أما موضوع الندوة، فكان الإصلاح الديني الاجتماعي والفكري المدني في التاريخ التركي، منذ القرن 17، وهي مادة ذات عمق وأهمية بالغة في رصد عطاءات، وتطورات المدارس الفكرية الإسلامية المتعددة في الشرق، نحو التجديد الذي أمرَت به الرسالة الخالدة.
كانت نقطة الالتقاء المهمة، مع المحاضَرَين أننا كمهجر عربي، ومن خلفنا حركة ثقافية واسعة في الوطن العربي، نسألُ اليوم عن خُلاصة الثابت، وعمق التجربة الفكرية لأهم دولة في الشرق الإسلامي، تولت صدارته السياسية لقرون، ليس لاستدعاء القوة السياسية ولا تاريخ الصراع، ولكن لفهم حركة الجدل الفقهي والثقافي الواسعة، التي عاشتها أروقة تركيا.
علماء شريعة ورؤساء وزراء، ومثقفون إسلاميون وتكنوقراط، قدموا خلاصات نصح ونقد للأمة، وللأستانة لتنهض بمعنى التجديد الفكري الإسلامي، الذي هو وسيطة الاستخلاف، الذي ندب إليه الخالق لمهمة البشر في رسالة الأنبياء، مع إفراد العبودية له، طوعا لا كُرها.
كان ثلة من الأخوة الحضور قد صرحوا لي مباشرة، ورأيت ذلك في أعين البقية، أن هذا الطرح وتلك الرسالة، وهذا المنهج، غاب عنّا طويلاً، لقد عشنا في المحاضرة أجواء صدمة حين قَدم أ.توران نصاً تلو نص موثق بكتب ومؤلفات، عن دعوات من 4 قرون تشدد على حاجة الأمة إلى الفكر القانوني، وأن قواعد الشريعة منظمات كبرى في مساحة واسعة للحياة المدنية، بل إن أحد العلماء قال إن القانون الدستوري يجب أن يُجدد باستمرار.
ولقد شعرنا بالفعل بالحاجة إلى الانتفاضة، التي دعا لها د.عمر الفاروق، ووعي فقه البناء، والتكامل والتصالح بين المدارس لتبني على تعددها، لا أن تهدم بناءً على خلافاتها، وأكد على أننا اليوم بحاجة أن نعي مصادر الاستقرار المدني، حتى في الإرث القديم ومناهج التراث، فنُبرز التي صنعت قيم استقرار واحترام للتعدد الفقهي، ودور التربية الروحية، في تقويم سلوك الفرد، وصناعة الأخلاق الإدارية بين المجتمعات والطوائف.
كانت المداخلات تصب في ذات المعنى، والتساؤل يعود مجدداً، أننا لسنا فقط في حالة متخلفة في صناعة النهضة المدنية والصناعية، التي نجح فيها الغرب، ونأخذ ما يعيننا لتطبيق شرائعنا وحضارتنا، ونترك سجلاته السوداء التي لم يتطهر منها، ولكنّنا متخلفون في الحالة العربية والشرق عموما، عن وعي الفكر الإسلامي، لقضايا التقدم المدني والإنساني في فقه الأولين، ويفصلنا عنهم 500 عام، ونحن نعيد الجدل الفاشل في أحيانٍ كثيرة.
لعل من باب الأمانة نقل تأكيد المحاضرين، وأنهما حين تحدثا عن العهد العثماني، ودعوات التجديد والإصلاح التي وُجهت للأستانة، فهم لا يخصون الأشقاء الأتراك، ولكن كل أمة الشرق التي تزامنت مع ذلك العهد وخاصة من العرب، وفي سؤال مباشر لي، أُجيب عن الجانب السلبي السياسي داخل السلطنة في تركيا والمنطقة العربية، رغم الأدوار العظيمة التي لعبتها الدولة العثمانية، وتضحياتها وشهدائها.
إلا أن ذلك بحسب إشارة الأساتذة الكرام لا يُقدم تزكية مطلقة، لذلك العهد في الشأن السياسي المدني، ولكنهم شددوا على أن جزءا كبيرا من التراث العثماني لم يُنشر حتى اليوم، وهو ما يحتاج غربلة لإنصاف الفترة ما لها وعليها.
تساءل الجميع مجددا في ختام الندوة، ونتساءل معهم لنطرح أفكاراً ونحفّز توجهات مركزية، كيف نُحقق البرنامج التنفيذي لهذه الانتفاضة للفكر الإسلامي المعاصر، لنخرجه من خطاب الصراع والتعقّب إلى خطاب النهضة والتعقّل، الذي لا يُلغي أهمية الحوار العلمي، ولا الدراية السياسية بمخططات الآخرين، وإنما ينظّم وعيه لرسالة البناء، بدلا من صناعة الهدم، وتحالفات الفكر والقيم، بدلاً من صراع المصالح المدمرة، لتحيا الأمة لا ليحيا الغرب على ركام حطامها.
بقلم : مهنا الحبيل
وفي ذات الوقت كان الحضور المتعدد من المدرسة السلفية الشامية، والأزهرية والمستقلين، وتيارات فكرية عربية عديدة، وشخصيات ثقافية، تحمل ذات الانسجام، أما موضوع الندوة، فكان الإصلاح الديني الاجتماعي والفكري المدني في التاريخ التركي، منذ القرن 17، وهي مادة ذات عمق وأهمية بالغة في رصد عطاءات، وتطورات المدارس الفكرية الإسلامية المتعددة في الشرق، نحو التجديد الذي أمرَت به الرسالة الخالدة.
كانت نقطة الالتقاء المهمة، مع المحاضَرَين أننا كمهجر عربي، ومن خلفنا حركة ثقافية واسعة في الوطن العربي، نسألُ اليوم عن خُلاصة الثابت، وعمق التجربة الفكرية لأهم دولة في الشرق الإسلامي، تولت صدارته السياسية لقرون، ليس لاستدعاء القوة السياسية ولا تاريخ الصراع، ولكن لفهم حركة الجدل الفقهي والثقافي الواسعة، التي عاشتها أروقة تركيا.
علماء شريعة ورؤساء وزراء، ومثقفون إسلاميون وتكنوقراط، قدموا خلاصات نصح ونقد للأمة، وللأستانة لتنهض بمعنى التجديد الفكري الإسلامي، الذي هو وسيطة الاستخلاف، الذي ندب إليه الخالق لمهمة البشر في رسالة الأنبياء، مع إفراد العبودية له، طوعا لا كُرها.
كان ثلة من الأخوة الحضور قد صرحوا لي مباشرة، ورأيت ذلك في أعين البقية، أن هذا الطرح وتلك الرسالة، وهذا المنهج، غاب عنّا طويلاً، لقد عشنا في المحاضرة أجواء صدمة حين قَدم أ.توران نصاً تلو نص موثق بكتب ومؤلفات، عن دعوات من 4 قرون تشدد على حاجة الأمة إلى الفكر القانوني، وأن قواعد الشريعة منظمات كبرى في مساحة واسعة للحياة المدنية، بل إن أحد العلماء قال إن القانون الدستوري يجب أن يُجدد باستمرار.
ولقد شعرنا بالفعل بالحاجة إلى الانتفاضة، التي دعا لها د.عمر الفاروق، ووعي فقه البناء، والتكامل والتصالح بين المدارس لتبني على تعددها، لا أن تهدم بناءً على خلافاتها، وأكد على أننا اليوم بحاجة أن نعي مصادر الاستقرار المدني، حتى في الإرث القديم ومناهج التراث، فنُبرز التي صنعت قيم استقرار واحترام للتعدد الفقهي، ودور التربية الروحية، في تقويم سلوك الفرد، وصناعة الأخلاق الإدارية بين المجتمعات والطوائف.
كانت المداخلات تصب في ذات المعنى، والتساؤل يعود مجدداً، أننا لسنا فقط في حالة متخلفة في صناعة النهضة المدنية والصناعية، التي نجح فيها الغرب، ونأخذ ما يعيننا لتطبيق شرائعنا وحضارتنا، ونترك سجلاته السوداء التي لم يتطهر منها، ولكنّنا متخلفون في الحالة العربية والشرق عموما، عن وعي الفكر الإسلامي، لقضايا التقدم المدني والإنساني في فقه الأولين، ويفصلنا عنهم 500 عام، ونحن نعيد الجدل الفاشل في أحيانٍ كثيرة.
لعل من باب الأمانة نقل تأكيد المحاضرين، وأنهما حين تحدثا عن العهد العثماني، ودعوات التجديد والإصلاح التي وُجهت للأستانة، فهم لا يخصون الأشقاء الأتراك، ولكن كل أمة الشرق التي تزامنت مع ذلك العهد وخاصة من العرب، وفي سؤال مباشر لي، أُجيب عن الجانب السلبي السياسي داخل السلطنة في تركيا والمنطقة العربية، رغم الأدوار العظيمة التي لعبتها الدولة العثمانية، وتضحياتها وشهدائها.
إلا أن ذلك بحسب إشارة الأساتذة الكرام لا يُقدم تزكية مطلقة، لذلك العهد في الشأن السياسي المدني، ولكنهم شددوا على أن جزءا كبيرا من التراث العثماني لم يُنشر حتى اليوم، وهو ما يحتاج غربلة لإنصاف الفترة ما لها وعليها.
تساءل الجميع مجددا في ختام الندوة، ونتساءل معهم لنطرح أفكاراً ونحفّز توجهات مركزية، كيف نُحقق البرنامج التنفيذي لهذه الانتفاضة للفكر الإسلامي المعاصر، لنخرجه من خطاب الصراع والتعقّب إلى خطاب النهضة والتعقّل، الذي لا يُلغي أهمية الحوار العلمي، ولا الدراية السياسية بمخططات الآخرين، وإنما ينظّم وعيه لرسالة البناء، بدلا من صناعة الهدم، وتحالفات الفكر والقيم، بدلاً من صراع المصالح المدمرة، لتحيا الأمة لا ليحيا الغرب على ركام حطامها.
بقلم : مهنا الحبيل