+ A
A -
لا نتذكر أفراحنا، ولا أحزاننا، لا نتذكر مآسينا، ولا نتذكر عدونا.. بالأمس غير البعيد، تحالفنا مع بريطانيا ضد الخلافة العثمانية، فاستعمرتنا بريطانيا سنوات طوال، واعملت فينا الخديعة، واقتطعت فلسطين لليهود، واقتطعت لواء الاسكندرون للأوروبيين الجدد في تركيا.
نسينا مأساتنا الكبرى، واعدنا التحالف مع المستعمر الجديد الذي خدعنا بشعارات الديمقراطية، فنهب خيراتنا وجثم على صدورنا، واحتل اراضينا، ولا ندري ما هو الحال القادم لهذه الأمة، بعد ان جمد العراق، واطلق العنان للحاخام.
أمس وأول أمس صادفت، مجازر صبرا وشاتيلا.. وهي ابشع مجزرة ترتكب في حق لاجئين في مخيم اقامته الأمم المتحدة وتحت علمها ونفذته عصابات اسرائيلية ولبنانية هي الآن تتسيد الحكم والمشهد في لبنان.
واقسم انني أمس مارست عروبتي.. ونسيت، وتابعت مع الملايين الذين تابعوا مباريات برشلونة ومباريات ريال مدريد وكأن هذين الناديين باتا عربيين فتكاد الحرب تقع في البيت الواحد للتعصب لهذا النادي وذاك النادي وصدق من قال ان الكرة «افيون الشعوب» وكدت اصفق بالامس، مرت ذكرى اجتياح شارون لعاصمة عربية وهدد سيادتها بعد ان دمر حضارتها ومبانيها، نسينا ونلهث لنصافح القيادات الصهيونية ليرضوا عنا.
توقفت أمام شاب أصله فلسطيني وجده العشرين من فلسطين، يقول: جنسيتي إسرائيلي.
وحين سألته: كيف تفخر بجنسية احتلت وطنك، فقال: لقد نسيت انهم احتلوني، ونسيت انهم قتلوني، فإنا عربي مثلكم وأمارس حقي في النسيان، فنحن شعب طيب وأمة طيبة، منذ ان سمحنا لعبدالله بن سبأ ان يكمل المؤامرة، ويدق اسفين الفرقة في هذه الامة ولم تقم لها قائمة منذ أصبحت أمتين بل ثلاث أمم، أو اربع أمم وهي الآن عشرات الأمم، وكل امة مشغولة بحالها، تبحث عن لقمة عيشها، بل وتبحث عن سبل تنسى بها ما كان لتحافظ على احترام من لا ينسون. فالأميركيون يريدوننا ان ننسى ان إسرائيل تأسست على كذبة كبرى، وان استعمار بريطانيا لنا قام على كذبة كبرى، وان احتلال العراق كان على كذبة كبرى، وترى اميركا اننا طيبون ولكن نستحق القتل، فظهور محمد بيننا كان خطأ، ولا نستحق هذه الثروات التي حبانا الله بها، هكذا يقولون، يستكثرون علينا هذا النفط المغمس بالدم، مع ان ناتج الدخل القومي لأي دولة اوروبية يعادل مجموع دخل الناتج القومي لجميع الدول العربية انهم يستكثرون علينا ان نعيش بهدوء، لهذا جاؤوا.. وكل منا يحاول ان يدفع عنه التهمة وكل يحاول إرضاء المستعمر الجديد، الكاذب الجديد الذي لا نعلم إلى أين سيأخذنا كذبه.
فلنواصل النسيان.. أميركا هي صديقتنا، أميركا سوف تعيد الأقصى إسلاميا، أميركا سوف تنشئ الدولة الفلسطينية، أميركا سوف تنشر الحرية والديمقراطية في العراق، أميركا التي حررت الكويت لهدف في نفس يعقوب تريدنا أن نركع.. لننسى ونركع.
نحن ننسى.. فلتتواصل المأساة وكان الله في عون أجيالنا القادمة.
بقلم : سمير البرغوثي