bin.saeeda@hotmail.comخرجَ سُفيان بن عُيينة إلى أصحابِ الحديثِ وهو ضَجِر، فقال: أليسَ من الشقاءِ أن أكونَ جالستُ ضمرة بن سعيد، وجالسَ ضمرة أبا سعيدٍ الخدري؟! وجالستُ عمرو بن دينار، وجالسَ عمرو جابرَ بن عبدالله؟! وجالستُ عبدالله بن دينار، وجالسَ عبدُالله ابنَ عمر؟! وجالستُ الزهري، وجالسَ الزهريُّ أنسَ بن مالك، ثم أنا أُجالسكم؟!
فقالَ له فتى صغير في المجلس: اِنتصِفْ يا أبا محمد!
فقال: وما ذاك؟
فقال: واللهِ لشقاء من جالسَ أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بكَ أشدّ من شقائِكَ بنا!
فقالَ له: صدقتَ!
ثم سأل: من الفتى؟
فقالوا: يَحيى بن أكثم.
فقال: سيكونُ لهذا الفتى شأن!
قالتِ العربُ في مَثَلِها الشهير: لِكُلِّ جوادٍ كَبوة!
والمثلُ يُضربُ في البارعِ في أمرٍ ما ثم تخونُه براعته في موقف ما، وهذه القصة كبوة الجوادِ الأصيلِ سُفيان بن عُيينة، فالرجلُ كانَ من أهلِ اللهِ في الأرض، ونجماً من نجومِ هذا الدين، ومشعلاً يُستضاءُ به، ملأَ الأرضَ علماً وفقهاً وحديثاً.
ولكنَّنا نهاية المطافِ نحن بشر، نضجرُ ونغضبُ، نجبنُ ونبخلُ، ويأتي أحدنا في موقفٍ ما ما لم يكُنْ ليفعله أبداً، هذا أنَّ الكمال لله، ولا عصمة إلا لنبي!
تحسَّرَ سُفيان بن عُيينة أنه كانَ يجالسُ من جالسوا أصحاب النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ثم هو يُجالِسُ هؤلاء الناس.
فقالَ له يحيى بن أكثم إنَّ مصيبته فيهم أقل من مُصيبةِ أولئكَ فيه، فَهُمْ بعد أن جالسوا أصحاب النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُجَالِسُونه!
وهذا الردُّ يجب أن يُدوَّنَ في فنونِ الرد!
على أنه يُحسبُ لسُفيان بن عُيينة أنه رجعَ سريعاً إلى نُبله المعهود، وخُلُقه الرفيع، فقد قَبِلَ الحق رغم أنه جاءه من فتى صغير، بل وأثنى عليه وتنبَّأَ له بمُستقبلٍ مُشرقٍ، وهكذا كان!
الفكرةُ من هذا كله أنكَ إذا تزوجتَ بعد موتِ زوجتكَ فليسَ من الأدبِ أن تُقارِنَها بها، فهذا يُؤذي الحي ولا يُنصف الميت، ما مضى قد مضى، ونحنُ أبناءُ اليوم! وكذلكَ التي ماتَ عنها زوجها وتزوجتْ غيره فليس من الخُلُقِ أن تذكرَهُ أمامه وتُقارنَهُ به، فهذا مُؤذٍ وجارح، احتفظوا بذكرياتكم، وترحَّموا على أمواتكم، ولكن إيذاءَ الأحياءِ ليسَ من الأخلاق!