+ A
A -

ربما لم تَنَلْ فنانة عربية من الانتقادات ما نالَتْهُ أحلام، أحلام صاحبة «أكثر من اول أحبك»، الأغنية التي أَسَرَتْني وأعيش كلماتها الحلوة الرقيقة مع كل إنصات حالِم.
لوهلةٍ ينسى جمهور المستمعين، من عُشّاق للكلمة ونُقّاد، أن سيدةَ الحلم الغنائي العريقة الأصالة الصوتية أَبْدَعَتْ، أبدعتْ وأبهرتْ في أكثر من أغنية مثل هذه التي دَبَّجْتُ بها حروفي في هذا الهامش:
«أكثر من أول أحبك بس ما ابغى اقول.. أخاف لو قلت تتغلى علي مره.. أنا بصراحة أحبك حب مو معقول.. أكبر دليل لغلاتك غيرتي مره.. شف دمعتي لهفتي حتى العيون تقول.. أحلى كلام أحفظه ويضيع من نظره.. لما تقوللي أحبك ألتفت بذهول.. من فرحتي فيك تخنق صوتي العبره.. لو غبت أحس الدقايق بالغياب تطول.. وتشب في غيبتك وسط الحشى جمره.. كل البشر حبهم قطرة غلا وميول.. حبك بحر وش تجي عند البحر قطره.. ما ابالغ إن قلت وإن بالغت أنا المسؤول.. أنا اصدق احساس في الدنيا على فكره».
هل يُكَذِّبُ العُشاق وقعَ صوت أحلام بهذه القطعة الفنية الجميلة التي كشفت لنا الوجه الآخَر الأحلى والأعذب والأطيب والأروع لقلب أحلام الذي قال كلمتَه عند بزوغ شمس العشق التي سطعتْ في كلمات مغناة كما يسطع ضَوْعُ قارورةِ عطرٍ.. قارورة عِشْق أحلام تفتحها على كلمات.. كلمات (ليست كالكلمات) حَلَّتْها وسَحَرتْها أحلام لما صدحَتْ بها كعصفور. ربما لا نُجَانِبُ الصوابَ إذا قُلْنا إن صاحبةَ الصوت هنا قد خَبَرَتْ ما يكون العشقُ والهوى حتى انساب صافيا عذبا يذوب معه بوحُ العُشاق ذوبانا، بوحُ العُشّاق الذين لا يعجزون عن تطويع أحاسيسهم في قوالب ساحرة آسرة، فجاءت أحلام لتنطق عن هواهم وتُصَوِّر مشاعرَهم الدافئة الْمُرْهَفَة في أرقّ وأرقى الصور السمعية التي لا تَجِدُ الأذنُ الذوَّاقة إلا أن تنحني لها تقديرا واحتراما لصوتها الشجي الذي عَلقَ بأسماع المتلقين ومازالت تردده الحناجر التي تلتمس طريقَها على جسر الاعتراف والشهرة والانتشار.
«أكثر من اول أحبك» جواز عبور أحلام إلى الأذن الأصيلة «السّمِّيعة» كل وقت وحين، فمعها (الأغنية) تعيش أنتَ حالةَ حُبّ شفيف وعنيف، عنيف بقوته في كتم أصوات صرخات العشق المجنونة، ليداعب أوتارَ قلبك فاعلا بها ما تفعلُه أصابع مُدَلِّكة بجسد متعطش للحنان فيذوب كل الذوبان في حضرتها هامسا إليها: «زيديني عشقا».. حُبّ شفاف يتلبّسُك كجريمة، جريمة حُلوة تباركها القلوبُ وتتيمَّنُ بها وتُثَمِّنُها على مدار الوقت..
«أكثر من اول أحبك» تفعل بك ما تفعله وأنت خالي القلب تتشمس تحت مظلة الفراغ العاطفي، فما بالك لو جَرَّبْتَ أن تُنصتَ إليها وتغتسل بمطرها وأنتَ تعيش فعلا حالةَ حُبّ؟! إلى أي مدارج سترقى وفي أي معارج ستحطّ وأنتَ تشدّ رحالَك إلى كوكب العشق؟!
أَمِنَ العدل والحكمة أن تُطلِق سهام النقد الهدَّام الذي لا يبني شيئا سوى الحُفَر لِمَن بلغوا بمُنْجَزِهم الفني هذا السمو وذاك الألق؟! لماذا ينبهر المنبهرون في مجالس النميمة الفنية بنجوم الظلام الذين يُلْحِقون بالفن شرّ خسارة ويستكثرون على رموز الفن الاعترافَ بالجميل أو ترك الواحد منهم وشانه على الأقل؟!
الفنان حنجرة وإحساس. دَعْكَ من مجوهراته وسياراته وقصوره وساعاته وخواتمه ودهونه المشطوفة وشَعْره الحقيقي أو المستعار وما قال وما لم يَقُل.. الفنان حنجرة وإحساس، وحين يبلغ بك فنانُك هذا المدى، قَدِّرْ ما يصنع من أجلك أنتَ، أنتَ الذي تتنفَّسُ العشقَ مع أنفاسه العَبِقَة وصوته المجروح وقلبه الذي يركع بين يديك لتتعلَّم العشقَ أنتَ في مدرسته، مدرسة الحُبّ التي تُسَجِّلُ أنتَ فيها عن طيب خاطر وأنتَ تشاركه التجربةَ وتَشرب نخبَ نجاح قلبك وقلبه.
جدير به التقدير والاعتزاز كل فنان تُسافر منحوتته الصوتية البديعة إلى مشارق الأرض ومغاربها، تتسلل إلى كل بيت، تهتزُّ لها الشفاهُ متراقصةً كما يرقص شاعر مُلْهَم على حبل الكلمات.
«أكثر من اول أحبك» رائعة، رائعة.. ففيها رسالة إلى كل قلبٍ ينبض له قلبُك.. أحبُّوها.. أَحِبُّوا..

بقلم : د. سعاد درير
copy short url   نسخ
22/09/2016
1964