ربما كانت هناك حسابات غربية خاصة، ضمن صراع سياسي متوارٍ لبعض الأطراف، وبعضها في سياق طبيعة الخطاب الموجه للعالم الجنوبي من المركز الغربي، ولا نتحدث هنا عن مسألة تغطية الإعلام لقضايا حقوقية أو سياسية، ضمن الخلافات الموسمية بين الدول الغربية والدول الجنوبية، لكن عن حرب الأفكار بين الغرب والشرق وهي تصعد دوما في مواسم رياضية، ومن المؤكد أن كأس العالم في قطر 2022 يعتبر فرصة تاريخية ليس لعرض الأفكار ولكن لفرضها، بحسب طبيعة الآلة الإعلامية الغربية، ومرجعها (القيمي).
وقلنا القيمي بين قوسين لأن زعم أن السلوك الليبرالي أو الشيوعي أو الحداثي، أو أي نمط ثقافي أو تاريخي لأي حضارة أنه ضمن منظومة القيم بالضرورة، هو محل جدل بل ورفض، فالقيم إما أن تكون مشتركة أو خاصةً لهذه الأمة أو ذلك الشعب، عبر أرضية تبرير فلسفي أو نتيجة أخلاقية إنسانية ارتدت لصالح هذا الشعب أو ذاك، ولا يحق لأحد فرضها على أمة أخرى دون أن تقتنع بها.
فما بالك حين تراها الفطرة الإنسانية مدمرة لحصنها الأخيرة، وملقية لها في قاع الانحطاط والتفكك المجتمعي، ومع ذلك لا تقبل القوة الحداثية المهيمنة اليوم في الغرب، حق الجدل الأخلاقي للمركز الإسلامي، بل وحتى غيره في قضية المثلية القهرية.
وهنا نركز المجهر على حرب خاصة ذات هدفٍ محدد، تُستخدم فيه مسارات ضغط متعددة، ويجب القول هنا أن اليقظة الأخيرة للروح الإنسانية في رفض المثلية القهرية، وهدم جذور الأسرة البشرية في تاريخ الوجود الإنساني جاءت مع الأسف متأخرة جداً.
ولشرح هذه القضية نسردها في العناصر التالية:
أولاً: تدحرجت كرة الكراهية ضد الانسجام الطبيعي للأسرة، في دورات زمنية متعاقبة، تَمكّن نفوذها من الهيئات التنظيرية في الأمم المتحدة، بعد أن حُسمت في الاتحاد الأوروبي وأمريكا الشمالية، فأصبح عندها هذا الترس يسحق أي قوة ممانعة أخلاقية وفكرية في البناء الرسمي للدول، الذي يحاول أن يُعبّر عن ثقافته الوطنية المتحدة الفطرة مع كل العالم الإنساني.
ثانياً: لعقود كان التحفظ يأتي في صورة رفض كل عضوٍ، من الأمم المتحدة، لمواد القوانين التي تُسقِط تعريف الأسرة الفطرية وتستبدلها بأسرة الجندر، الذي كان مبهماً وغاب هدف الغرب الأخير، عن تلك الدول التي أضعف سيادتها خلفية الصراع مع شعوبها، أو عدم استقرارها الداخلي، فتعاملت بحذر مع القوة الغربية ومركزها، لتتجنب استعداءها في مسارات خارج السياسة، فلم تتوقع أن هذه القوانين أو المشاريع الحقوقية، التي دَسَّت هدم الأسرة في منظومة الحقوق الفردية والتعبير عن الرأي، سيأتي زمناً تُعلن وجوب فرضها على شعوبها.
ثالثاً: تم تسخير السوشيال ميديا والإعلام، خلال صعود هذه المشاريع وبرامج مؤسسات المجتمع المدني الغربية المدعومة، التي تقوم على هدم قيم الشرق ونزع تضامن الأسرة، وخلق الفرد المطلق المنعزل عن الآخرين وبالذات عن الديه، وتحويل علاقة الزوجة إلى ندية صراع بالمطلق، واستبدالها بعلاقة نزوة تفريغ جنسي، وإنجاب طقوسي لحياة المرأة، أي بمعزل عن حقوق الطفل وحاجته لانسجام أسرته، والحب بين المرأة والرجل الطبيعيان.
رابعاً: حينها شعرت القوة الحداثية المادية، بأنها في مرحلة تمكن، ولا بد من قهر الفكرة الأخلاقية المقاوِمة، وهذا تزامن مع يقظة ضمير وصلت لأوربا وأمريكا، لكنها كانت دون تحالفات إنسانية ولا سياسية، وحتى موقف اليمين في الغرب في كتلته السياسية، كان له موقف غير أخلاقي.
فبعض هذه الكتل اليمينية المسيحية، كان يسرها ويسعدها تفكيك أسر اللاجئين عبر القهر المثلي، وهدم أُسرهم ونزع أطفالهم، وحتى فرض طقوس الحداثة المادية على العالم الجنوبي، لكنهم كانوا في ذات الوقت يخوضون معركتهم الخاصة لحماية ناخبيهم من المجتمع المسيحي الغربي، الذي رفض فرض قوانين الحداثة، على البيئة الطبيعية الإنسانية، وهدم المُثل الأخلاقية لرعاية الطفولة.
خامساً: تحولت كتلة التحالف بين سياسات الدول الغربية الاجتماعية، والقوة النافذة في الإعلام والسوشل ميديا، وقدراتها العالمية في المنظمات الدولية وفي السماء الإعلامية للعالم، إلى فرض ثقافتها، ثم تطورت لهذا المستوى المتطرف المتعسف، من منع الرد العلمي والفكري والمناقشة الحوارية الأخلاقية وخنق منصاتها، وخاصة في العالم الإسلامي.. لماذا؟
إن الإسلام هو الذي يملك القوة الفارقة والجسم الاجتماعي المتماسك، والأرضية الفلسفية، وهو الجامع الوحيد لمفاهيم وحدة الأنبياء والكتلة الأخلاقية في رعاية الأسرة والطفولة، وإسقاط الحرب الملزمة بين المرأة والرجل والذكر والأُنثى، ليعيدها إلى طبيعتها بيت الحب والسكن، وروح المودة التي تسري بين الأطفال وبينهم ووالديهم.