???????اليمن - الأناضول - في العاصمة المؤقتة عدن جنوبي اليمن، يدور صراع جديد ومغاير بين الحكومة الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، إثر استيلاء الأخير على مؤسسات إعلامية رسمية حيوية وتغيير هويتها لخدمة أهدافه.
واستولت مجموعة مسلحة تتبع المجلس، في يونيو الماضي، على مقر وكالة الأنباء اليمنية الرسمية (سبأ) في عدن، بعد اقتحامه وطرد الموظفين منه، وفق بيان للوكالة.
وفي الشهر نفسه، اقتحم مسلحون من المجلس مبنى صحيفة «الثورة» (رسمية) في عدن، بعد أن استحوذوا على صحيفة «14 أكتوبر» (رسمية)، في أغسطس 2019.
وقوبل استيلاء المجلس الانتقالي على هذه المؤسسات الإعلامية الرسمية في عدن بإدانات متعددة، حيث اعتبرت الحكومة أن استيلائه على مقر الوكالة يمثل «تعمدا لإفشال اتفاق الرياض (لعام 2019) والجهود الصادقة للسعودية الرامية إلى تفعيل مؤسسات الدولة وتوحيد الصفوف ولملمة الجهود نحو استكمال إنهاء الانقلاب واستعادة الدولة».
ويُقصد بالانقلاب استيلاء جماعة الحوثي بقوة السلاح على العاصمة صنعاء (شمال)، في سبتمبر 2014، ثم السيطرة على محافظات أخرى.
كما أعربت نقابة الصحفيين اليمنيين، في بيان، عن إدانتها لـ«الاعتداءات المخالفة للقانون»، محملة المجلس الانتقالي «كامل المسؤولية عن هذه الانتهاكات».
وأدان الاتحاد الدولي للصحفيين، في بيان، «الاعتداءات على المؤسسات والمكاتب الإعلامية في عدن»، لافتا إلى أن «المجلس الانتقالي بات يسيطر على غالبية مؤسسات الإعلام الرسمية بمدينة عدن».
ويأتي هذا الصراع على الإعلام الرسمي في وقت يتواصل فيه تصعيد بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي؛ إثر تعثر جهود إقليمية لحل الأوضاع جنوبي اليمن.
ويدعو المجلس إلى انفصال جنوبي اليمن عن شماله، بزعم معاناة الجنوبيين من التهميش والإقصاء سياسيا واقتصاديا، وهي دعوة تواجه رفضا رسميا وشعبيا واسعا في بلد تمزقه الحرب منذ نحو 7 سنوات.
والسبت، قرر المجلس الانتقالي تعليق كافة أنواع التواصل مع الحكومة، بعد مشاورات برعاية سعودية مستمرة منذ أسابيع، لحل الأزمة بينهما.
وبرر المجلس قراره، في بيان، بأن القوات الحكومية في محافظة شبوة (جنوب) قمعت فعالية سلمية تابعة له.
بينما اتهمت سلطات شبوة المجلس الانتقالي بإثارة الفوضى والتخريب وزعزعة أمن واستقرار المحافظة، وفق بيان.
تغييرات «الانتقالي»
في 13 يونيو الماضي، غير المجلس الانتقالي اسم وكالة «سبأ» إلى «وكالة أنباء عدن»، ووضع لافتة بالاسم الجديد على المقر الحكومي، وفق مصادر محلية.
ونشر مسؤولون يتبعون المجلس، بينهم مدير مكتب الإعلام في المحافظة هدى الكازمي، صورة للوكالة عبر «تويتر» بعد تغيير لافتتها إلى «وكالة أنباء عدن».
وفي اليوم نفسه، أفاد الموقع الإلكتروني للمجلس بأن مختار اليافعي، نائب رئيس ما تُسمى «الهيئة الوطنية للإعلام الجنوبي»، عقد اجتماعا بصحفيين وإداريين وفنيين عاملين في «وكالة أنباء عدن»، لمناقشة خطة إعادة تشغيلها خلال الفترة المقبلة.
وقال اليافعي إن «قرار إعادة وكالة أنباء عدن قد اتُخذ ولا تراجع عنه»، وذلك «في سياق إعادة العمل في جميع وسائل الإعلام الجنوبية الرسمية، ومنها تليفزيون وإذاعة عدن وصحيفة 14 أكتوبر، التي تركت للإهمال خلال السنوات الماضية»، بحسب البيان.
انقلاب ناعم
وقال توفيق الحميدي، رئيس منظمة «سام للحقوق والحريات» (غير حكومية)، للأناضول، إن سيطرة المجلس الانتقالي على الإعلام الرسمي هو «عمل مدان وتعدٍ على المؤسسات الإعلامية».
ورأى أن «المجلس الانتقالي الجنوبي لا يختلف كثيرا عن جماعة الحوثي من حيث انعدام المشروعية».
وتابع: «سيطرة المجلس الانتقالي على الإعلام في عدن هو بمثابة انقلاب ناعم على الحكومة الشرعية والحريات الصحفية، وبالتالي يصبح هناك نمطا واحدا في الخطاب تنعدم فيه حرية الرأي».
وأردف: «نحن أمام صراع عبثي لاختطاف الخطاب الإعلامي لخدمة طرف من الأطراف».
وحذر الحميدي من أنه «سيكون هناك تأثير حقيقي لسيطرة الانتقالي على الإعلام، حيث سيعمل المجلس على تكميم الأفواه التي لا تواليه وملاحقة الصحفيين».
وشدد على أن «ممارسات الانتقالي ضد الإعلام في عدن تخالف الدستور والاتفاقيات الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومواثيق الشرف الدولية».
واعتبر أن «ما يحدث حاليا في عدن شبيه لما حصل عام 2014 في صنعاء، عندما سيطر الحوثيون على المؤسسات الصحفية وأحلوا موظفين فيها موالين لهم، بما يتسق مع خطابها».
وأكد على «ضرورة احترام حقوق الصحفيين والإعلام في عدن، وعدم التعدي على مؤسسات الإعلام».
تآكل مؤسسات الدولة
أما زكريا الكمالي، مسؤول الحقوق والحريات بنقابة الصحفيين بمحافظة تعز (جنوب غرب)، فقال إن «المليشيا المسلحة دائما ما تعتقد أن السيطرة على الإعلام الرسمي يمنحها الهيمنة السياسية ويتوج انقلابها على السلطات».
واستدرك، في حديث للأناضول، قائلا: «لكن في العصر الراهن هذه الاستراتيجية فشلت مع وجود البدائل السريعة لدى السلطات الشرعية».
وأضاف أن «سيطرة الانفصاليين (الانتقالي الجنوبي) على مؤسسات الإعلام الرسمي لن يكون له تداعيات كبيرة على الإعلام الحكومي، الذي يتسم أصلا بالأداء الرتيب من فترات سابقة، ولكنها ستقود إلى مزيد من تآكل مؤسسات الدولة في مدن الجنوب».
وتابع: «سيؤثر ذلك بشكل كبير على مستقبل العاملين في تلك المؤسسات الذين سيرفضون العمل ضمن الآلة الدعائية للتشطير (الانفصال)».
ورأى أن «الانتقالي يمضي نحو الانقضاض على باقي المؤسسات الحكومية وإدارتها، سواء تحت غطاء الشرعية عبر وزرائهم في حكومة المحاصصة، أو عبر المجلس بشكل مباشر».
ويأتي هذا التوتر المتصاعد بين المجلس الانتقالي والحكومية الشرعية رغم التوافق والهدوء الذي ساد بعد تشكيل حكومة مناصفة بين محافظات الشمال والجنوب، نهاية العام الماضي، بناء على اتفاق الرياض، الموقع في 5 نوفمبر 2019.
ومن أبرز بنود هذا الاتفاق، معالجة الوضع العسكري في عدن والمناطق الأخرى التي شهدت مواجهات بين السلطة الشرعية والمجلس الانتقالي، مثل محافظة أبين (جنوب).
لكن حتى اليوم، لم يتم إحراز تقدم ملحوظ في مسألة تنفيذ الشق العسكري من الاتفاق، خصوصا دمج قوات الجيش والأمن التابعة للحكومة والمجلس الانتقالي، تحت قيادة وزارتي الداخلية والدفاع.
وأمنيا وعسكريا، ما يزال المجلس الانتقالي يسيطر على عدن، منذ أغسطس 2019، إضافة إلى سيطرته على مناطق جنوبية أخرى.
وأدى تأخر تنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض إلى تقييد حركة الحكومة في مقرها المؤقت بعدن.
وبجانب الصراع بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي، أودت الحرب بين الحكومة والحوثيين بحياة أكثر من 233 ألف شخص، وخلفت أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.
ولهذا النزاع امتدادات إقليمية، فمنذ 2015، ينفذ تحالف عربي، بقيادة الجارة السعودية، عمليات عسكرية في اليمن، دعما للقوات الحكومية، في مواجهة الحوثيين، المدعومين من إيران.