+ A
A -
على مدار أكثر من عقدين ونصف العقد، حافظت السياسة القطرية على مبادئها ومواقفها وتوازنها بما يكفل تحقيق السلام والعدالة والتنمية والاستقرار في المنطقة والعالم، مما أوجد لها مكانة مرموقة آخذة في الصعود، حتى أضحت لاعبا رئيسيا لديه المقدرة على صناعة الحلول وحلحلة المعضلات وتحريك الملفات، عبر بذل الجهود وتحريرها من القيود وتفكيكها من الجمود.ومع كل نجاح قطري حيال أي قضية، سواء كانت إقليمية أم دولية، يُطرح السؤال ذاته: كيف اكتسبت قطر كل هذا الرصيد الذي جعل منها دولة ديناميكية، تمتلك الكاريزما السياسية القادرة على إيجاد مخارج واقتراحات متوازنة، تقنع الأطراف المتخاصمة وتبرّد الأجواء الساخنة في عديد من القضايا الراهنة؟..السؤال له ما يبرره بحسابات الجغرافيا، لكن الإجابة تتشكل من صفحات التاريخ، فالمراقب العادي يلحظ كم النجاحات التي حققتها هذه الدولة الصغيرة في المساحة، والكبيرة في السياسة، ويرصد المواقف الثابتة والعادلة التي انحازت لها، عدا إنجازاتها الكبرى على مختلف الأصعدة، الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية.لذلك، أحسب أن الإجابة باتت واضحة للجميع، ولا داعي لتكرار سيرتها الحافلة ومسيرتها الفاعلة والتي تتوجها بالوقوف مع الحق، ومع كل ما من شأنه تحقيق السلام ونشر العلم ودعم الصحة وإرساء قواعد متينة للاستقرار والتنمية، تستفيد منها البشرية جمعاء.نسوق هذه المقدمة مع الأصداء الكبيرة للجولة المثمرة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، التي بدأت بإيران وتركيا، ثم خمس دول أوروبية.وهنا.. لابد من الوقوف أمام جملة تطورات خطيرة يشهدها العالم، أبرزها ضرورة العمل لإحراز تقدم على صعيد الملف النووي الإيراني، ثم الأزمة الأوكرانية المعقدة، سواء بسبب الخسائر البشرية والمادية الناجمة عنها، أو بسبب تأثيراتها، خاصة على الأمن الغذائي العالمي، حيث قفزت أسعار القمح إلى مستوى قياسي غير مسبوق، ووصلت إلى «453» دولارا للطن.كما لابد من التوقف أمام تطورات القضية الفلسطينية ووقائعها المؤلمة اليومية، والتي بلغت ذروتها مؤخرا باغتيال مراسلة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، ثم بما تشهده القدس، الأمر الذي ينذر بانفجار جديد وخطير، بالإضافة إلى العديد من القضايا الإقليمية والدولية الملتهبة.وإذا عدنا للوراء قليلا، وتحديدا إلى الدور السياسي والإنساني الذي لعبته قطر في التطورات الأفغانية، نجد مساهمتها الاستثنائية في وقف دائرة العنف في هذا البلد، من خلال عملها الدؤوب للتوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة الأميركية وحركة طالبان عبر المفاوضات التي جرت في الدوحة.وفي الوقت نفسه، قامت بالتنسيق مع الولايات المتحدة بإجلاء الأجانب في أفغانستان والمواطنين الأفغان، ضمن أكبر جسر جوي في التاريخ، فحظيت بالإشادة من جانب دول العالم.لم يكن هناك أي جهة أخرى غير قطر يمكن أن تنهض بهذا الدور، ولولا الوساطة القطرية، فإن الحرب في هذا البلد كان يمكن أن تستمر عقودا طويلة، مع ما يعنيه ذلك من إزهاق للمزيد من الأرواح، وخسائر بالمليارات.وخلال جولة صاحب السمو سمعنا قدرا كبيرا من الإشادات بموقف قطر وتحركها الإنساني الذي حظي بإعجاب العالم بأسره.. وحازت اهتماما إعلاميا عالميا.لا يمكن لقطر أن تشيح بوجهها عن كل ما يعتمل في الإقليم وفي العالم، لأن استقرار منطقتنا يعني استقرار العالم، وضمان إمدادات الطاقة جزء أساسي من هذا الاستقرار، وقد رأينا أن إحدى التبعات الأكثر خطورة للحرب في أوكرانيا كانت اقتصادية، تتعلق بالطاقة والغذاء، لذلك لم يكن غريبا أن تتحرك قطر في هذا الاتجاه، بما تمتلكه من رصيد كبير في حل المنازعات، يقوم على الاحترام والتقدير، تأسيسا على ما فعلته سابقا في أكثر من منطقة.قطر اليوم، بلا مبالغة أو مجاملة، من أهم الدول الفاعلة على الساحتين الإقليمية والدولية في استعمال الدبلوماسية الوقائية، والوساطة الاستباقية، والمساعي الحميدة كأداة فاعلة في تسوية المنازعات الإقليمية والدولية، قبل أن تتضاعف التطورات وتأخذ مناحي تعجز معها الحلول، ولا سيما خلال العقدين الأخيرين، فقد تمكنت بهذه الجهود من المساهمة في حفظ الأمن والسلم الإقليميين والدوليين، وقد عملت دون كلل لتعزيز هذا الدور من خلال دعم العديد من جهود مبادرات السلام في أماكن عديدة من العالم، وهكذا رسخت مكانتها بوصفها دولة صانعة للسلام، عبر استراتيجيات التحالفات والشراكات الإقليمية والدولية والدبلوماسية، واستضافة المؤتمرات والمنتديات، مستفيدة من قوتها الناعمة التي أكسبتها القدرة على التأثير، على الصعيد الإقليمي، فمن لبنان، إلى السودان، وجيبوتي وإرتيريا، وأفغانستان، صارت قطر وسيطًا معتبرا وموثوقا به في تحقيق السلم والأمن الإقليميين والدوليين، يحظى باحترام المتخاصمين.وتدرك قطر أن خططها للبناء والتنمية والازدهار، ومعها المنطقة بأسرها، لن يكتب لها النجاح إلا في ظروف الأمن والاستقرار، وأي فوضى من أي نوع سوف تعرقل هذه التطلعات، وهي تنطلق في كل ذلك من استقراء الأحداث التي شهدتها المنطقة، ومن الحروب التي عصفت بها وقادت إلى نتائج في غاية السلبية.فقد أضحت الدوحة تمتلك رصيدا مهما للغاية من المبادئ عبر الحفاظ على سير وسرية المفاوضات، والالتزام بمبادئ القانون الدولي، الأمر الذي مكنها من كسب ثقة مختلف الأطراف، بعد أن أدرك الجميع أن لا مصلحة لقطر سوى إشاعة الأمن والسلام.هذه المكانة الرفيعة التي حظيت بها قطر تشكل رصيدا كبيرا وغنيا له أهميته، وقد بدا جليا، من خلال الترحيب الكبير الذي حظي به صاحب السمو خلال جولته، إيمان الدول التي زارها بدور قطر وقدرتها على التحرك أينما وكلما استدعى الأمر.جمهورية سلوفينياالجولة الأوروبية بدأت بسلوفينيا، حيث بحث سموه مع الرئيس بوروت باهور، رئيس جمهورية سلوفينيا، تطوير علاقات البلدين على مختلف الأصعدة، لا سيما في مجالات السياسة والاقتصاد والتجارة والطاقة والبنى التحتية والسياحة.كما افتتح سموه ورئيس جمهورية سلوفينيا، المركز الإسلامي في العاصمة السلوفينية ليوبليانا.مملكة إسبانيازيارة صاحب السمو لإسبانيا، المحطة الثانية من جولة سموه الأوروبية، حظيت باهتمام بالغ، وبحفاوة كبيرة، حيث رحب الملك فيليبي السادس، ملك إسبانيا، بسموه وسمو الشيخة جواهر، وتم تبادل أرفع الأوسمة، وفي مأدبة العشاء الرسمية التي أقامها الملك فيليبي والملكة ليتيزيا، تكريما لسموهما في القصر الملكي، أجاب الملك فيليبي عن السؤال الذي بدأنا به: لماذا قطــر؟فبعد أن شدد على أهمية هذه الزيارة، التي تقرر فيها رفع العلاقة المتميزة بين البلدين إلى مستوى شراكة استراتيجية، تستشرف المستقبل بطموح أكبر، هنَّأ جلالته سمو الأمير على الإنجازات التي حققتها قطر، منوها بأنها تحولت إلى إحدى الدول الأكثر ديناميكية اقتصاديا في العالم، والأكثر بروزا ورسوخا في إمدادات الطاقة، والأعلى دخلا للفرد، والأعلى مستوى في التعليم، كما تحملت مسؤوليات مواجهة تحديات كبيرة، لاسيما تنظيم بطولة «كأس العالم FIFA قطر 2022».نحن أمام دور ومكانة، رسختهما سياسات تتسم بالحكمة والمسؤولية والوطنية، حيث المواطن القطري هدف أساسي للعملية التنموية، وحيث أصبح دور قطر في الوساطة وحل النزاعات محل إشادة وتقدير على المستوى العالمي.محطة ألمانيا الاتحاديةوفي ألمانيا الاتحادية، اجتمع صاحب السمو مع الدكتور فرانك فالتر شتاينماير، رئيس الجمهورية.وجرى خلال الاجتماع استعراض علاقات التعاون بين البلدين الصديقين، وأوجه تطويرها والارتقاء بها في مختلف المجالات، إلى جانب مناقشة مجمل الأوضاع الإقليمية والدولية الراهنة.وفيما يخص السياسة الخارجية للبلدين الصديقين، أفاد صاحب السمو بأن هذه السياسة تتسم بعدة عوامل مشتركة، وترتكز على الوساطة ودعم الحوار بين الأطراف المتنازعة للوصول إلى حلول شاملة ومستدامة، مقدرا سموه مشاركة الجانب الألماني ودعمه للمحادثات الخاصة بالسلام التي ترعاها دولة قطر في عدة أماكن، مثل أفغانستان وتشاد.وفيما يتعلق بكأس العالم قال سمو الأمير إن كل الأشخاص مرحب بهم في الدوحة، مؤكدا على أن كأس العالم سيمثل فرصة جيدة للجميع للحضور من كافة أنحاء العالم، مشددًا على ضرورة تفهم واحترام الثقافة القطرية.مؤتمر دافوسوفي منتصف الجولة شارك سمو أمير البلاد المفدى في الجلسة الافتتاحية لمنتدى الاقتصاد العالمي، في مدينة دافوس، وألقى كلمة هامة تناول فيها العديد من القضايا، وقد بدأ كلمته بضرورة مراجعة وإصلاح وتعزيز إطار العمل من أجل السلام في سبيل تحقيق الازدهار الاقتصادي، قائلا إنه بعد سنوات من التمهيد للسلام، من خلال الوساطة، لا يمكننا أبدًا أن نفقد الأمل، ويجب ألا نتخلى عن محاولة الجمع بين الأطراف، طالما أننا نعتقد أن جهودنا يمكن أن تساعد، ولو في إنقاذ حياة واحدة، فإن محاولاتنا للتوسط تستحق ذلك العناء. ويجب أن تستند جهودنا الموحدة إلى المبادئ المتفق عليها مسبقًا في ميثاق الأمم المتحدة، والقانون الدولي، والاحترام المتبادل لسيادة بعضنا البعض، معرباً عن أمله في أن تحظى النزاعات المنسية بنفس القدر من الاهتمام والجهد، فالناس جميعًا يستحقون السلام والأمن والكرامة.لندن وباريسوفي قلعة ويندسور بمدينة لندن، التقى حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، الملكة إليزابيث الثانية، ملكة المملكة المتحدة، وجرى، خلال اللقاء، تناول علاقات الصداقة التاريخية التي تربط البلدين والشعبين الصديقين وآفاق تعزيزها، كما جرى تبادل الآراء حول عدد من الموضوعات محل الاهتمام المتبادل.وفي باريس، بحث صاحب السمو مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.وهذا يعيدنا إلى ما بدأنا به: كيف اكتسبت قطر هذه المكانة وحظيت بالثناء والإعجاب في عواصم كبرى واتفقوا جميعاً على أهمية دور الدوحة السياسي والدبلوماسي؟..لأنها ببساطة الناشط الأكبر في مواجهة تحديات عالمية تحتاج إلى الجرأة في التحرك، وإلى دبلوماسية وموضوعية، مما جعلها تحظى بالقبول في ما تقوم به من أدوار وما تطرحه من أفكار..فالجميع يدرك أنها تربط الفعل بالقولوأنها مؤهلة للمشاركة في إيجاد الحلول..
copy short url   نسخ
30/05/2022
270