تطورت القوانين عبر التاريخ، وكان تطور القانون استجابةً لتطور احتياجات البشر الأساسية وتطلعاتهم الاقتصادية، فالقانون ليس إلا استجابة لاحتياجات الجماعة الأساسية ومنظما لنشاطاتها الاقتصادية والمالية، ولنا مثلاً أن نتخيل قانوناً لعمليات البنوك يطرح في القرن التاسع عشر في منطقة الخليج العربي، فبالتأكيد لن يلقي أحدٌ بالا لهذا القانون لعدم احتياج الجماعة له، حيث إن نشاطاتها لم تتطور كما هو الحال اليوم.
ببساطة، فإن القانون القديم قانون رخيص، وعلى القانون أن يتطور ليواكب تطور نشاط الإنسان، وبتطور القانون ترتقي تكلفته، فهل من الأفضل ألا يتطور القانون وتزيد التكلفة؟ بالتأكيد الإجابة لا، وإلا أصبح القانون وإن قلت تكلفته تكلفةً بلا داع (Cost without justification)
إذن، تطور القانون وتغييره ضرورة لمواكبة النشاطات الإنسانية، والدول تتطور قانوناً بالاستجابة لما يقوم به الناس، فما تعارف عليه الناس في تعاملاتهم ولم يخالف القانون، هو قانون بين هؤلاء الناس، ولا يمنع أن تواكب الدول النامية الدول المتطورة فتقتبس من قوانينها، فالأصل أن هذه الدول المتطورة أنمت قوانينها قبل الدولة النامية، وتجربتها حيّة يمكن البناء عليها وتفادي أخطائها.
فمثلاً، لا يتصور أن تحاول دولة تطوير قوانين الشركات فتقتبس من دولة أخرى لا توجد بها شركات ناجحة، أو تستمد نظامها الإداري من دولة تشتكي البيروقراطية وشللاً في جهازها الحكومي. والمتصور هو أخذ الدولة ما يفيدها من قوانين الأمم التي سبقتها في التشريع، وقد لا يقيدها -في رأيي- إلا (3) قيود هي: التاريخ، الجغرافيا، والاقتصاد.
التاريخ كقيد على القانون، عندما يكون للقاعدة القانونية مصدر تاريخي عميق، بحيث إن الجماعة اقتنعت بهذه القاعدة ومن الصعب تغييرها فوراً. والجغرافيا، وبالتأكيد فإن الجغرافيا عامل مهم لتنوع النشاطات الاقتصادية بين الدول المتجاورة، لعوامل القرب الجغرافي. أما بالنسبة للاقتصاد، فله أهمية كبرى حيث إن دولة قطر تتعامل مع أكثر من 180 دولة في العالم تختلف أنظمتها القانونية.
من المهم أن يكون المشرع والقاضي والمحامي والقانوني منفتحاً للتغيير، فلا يستبد بقاعدة لا تجلب منفعة أو تخفض تكلفة. فالأصل المرونة، لتستجيب القاعدة القانونية للواقع العملي، فيكون التطوير والمنهجان التغييري والمقارن مطروحين، فلا يكتفي الطالب أو المتدرب بما لديه من قوانين وكذلك المشرع، فيطلع على ما لدى الآخرين من قوانين تدعم أنشطة الجماعة. وبالتأكيد يحتاج كل ذلك لاستثمار مسبق في التعليم والتدريب ولاحقاً بالبحث، وحسناً ما قامت به جامعة حمد بن خليفة من طرح برنامج الدكتوراة المهنية (JD)، ليماثل البرامج الموجودة في الولايات المتحدة الأميركية، والأول من نوعه في منطقة الخليج العربي.
الخلاصة ألا نكتفي بالقديم لرخصه، ونستغلي التطوير، وكما يقول المثل الشعبي: من تراخص باللحم بارت به المرقة.