+ A
A -

الأسبوع الماضي وقّع غُلبُ الدين حكمتيار قائد الحزب الإسلامي الأفغاني، وأحد أبرز شخصيات المقاومة الأفغانية في عهد الاحتلال السوفياتي، اتفاق مصالحة مع الحكومة الأفغانية، لوقف العمل المسلح، بعد مفاوضات ماراثونية، سلّم فيها حكمتيار وآمن بأن الحرب الأهلية التي تفتك بهذا البلد المنكوب، لم تقدم حلاً ولم تنقذه من براثن الاحتلال الأميركي قبل انسحابه.
وأن انهيار تجربة حركة طالبان التي فوتت فرصاً عديدة لمصلحة الشعب ومصلحتها، في ذروة انتصارها على الأميركيين، فشلت في تحويله لنصر سياسي، يوقف نزف الدم ويضمن شراكة انتقالية تدفع أكبر مفسدة عاشها الشعب الأفغاني، ولا يزال، وها هي اليوم تنقسم وتتشظى، وتواجه جولات بروز داعش جديدة، وقاعدة جديدة وسلسلة لا تنتهي من حروب العصابات المجنونة.
لم تنته الحكاية هنا، وندعو الله بأن تُختتم كارثة أفغانستان، بانضمام طالبان لاتفاق وقف الحرب، الذي سيضمن تقليص النفوذ الأميركي، حين يلتئم المجتمع الأفغاني، وليس سلسلة الحروب الأهلية، لكن الدرس الكبير مع حكمتيار أعمق وأكثر دلالة، لفهم ماذا يعني التصلب والتشدد في المواقف والى أين تقود.
مضى ربع قرن بعد سقوط حكومة نجيب الله الشيوعية، الانسحاب العسكري السوفياتي، الذي حقّق لصالحه صراع المجاهدين بعد انسحابه مالم يحققه بدبابته، فقصف حكمتيار كابل وشدد حصارها بعد سقوطها في يد زميله في التنظيم الحركي الإسلامي لأفغانستان في الجمعية الإسلامية، أحمد شاه مسعود، وكان حكمتيار قد انفصل منها وأسس حزبه عبر قاعدة البشتون التي ينتمي لها.
قَصفُ كابل الشرس والأحمق لم يكن كارثته أنه أوقع المدنيين ونشر الرعب في احيائهم فقط، وإنما للانتكاسة التي سببها ذلك التشدد، في رفض حكومة وحدة كان حكمتيار هو رئيس الوزراء فيها، ووزير الدفاع، ومع ذلك رفض لتقديرات خاطئة، أحاطت بها نزعات صراع شخصية وفئوية يعرفها من تابع قضية أفغانستان، حينها بُذلت جهود حثيثة، وكنتُ أحد الذين استمعوا للرواية المباشرة من الحزب الإسلامي ذاته.
حاول الإصلاحيون في الحزب وخارجه من باكستان وبعض العرب، اقناع حكمتيار بقبول المشاركة ووضع حدٍ للحرب، وكان منهم صديقنا الشيخ نجي الله عطاء الله أول وزير خارجية لحكومة المجاهدين المؤقتة، وهو عضو المكتب التنفيذي للحزب الإسلامي، لكن دون فائدة وقدم هو وثمانية من المكتب من مجموع إحدى عشر عضوا استقالتهم، رفضا لتعنت حكمتيار.
اشتعلت قضية الصراع واصطفت الصناعة الجديدة للجهاديين العرب مع حكمتيار، فكانت فكرة كثير منهم بغض النظر عن اخلاصه أو سطحيته، أو توظيفه من حيث لا يشعر، بأن كلما كان مع قرار الحرب وبقاء المعركة كان ذلك اتقى لربه وأصفى لعقيدته، ولو حُرقت أفغانستان ونزفت ضعف ما نزفته من الروس تحت صراع الأشقاء.
ربع قرن اُشعلت من لحظتها حرب المجاهدين، وأسُست قواعد ومعسكرات لشباب عربي تحولت بعد ذلك إلى كارثة متنقلة، بعد أن ساهمت في تفتيت ساحة الجهاد الافغاني، وعبر رصد شخصي رأينا تمرد قادة الميدان التابع للمجاهدين، من خلال ولائهم للممول العربي الذي كانت تأتيه تبرعات الخليج الضخمة، ظناً من المحسنين أنها لنجدة أفغانستان، وكان بعض ذلك الشباب العربي يؤسس معسكرات منفصلة ويستقطب قادة ميدانيين يشرك العرب معهم، باعتبار أنه جهاد صافي العقيدة وجهاد الأفغان متلطخ بالشرك والتصوف.
تعفنت الساحة الأفغانية، وكان أحمد شاه مسعود، يسعى للخروج من هذا المأزق بذكائه عبر توازنات اقليمية صعبة، لكن حكمتيار كان له بالمرصاد، ثم اغتاله الجهاديون العرب، خلال ترحيب مسعود بهم ظنا بعهدهم القديم، ففجروه، وفجروا معه مرحلة خطيرة بدأت تعصف بأفغانستان.
تدخلت حركة طالبان كتجمع علمي شرعي بدعم من باكستان، ثم تحولت لقوة عسكرية التف معها الناس وحكمت، ترجى الناس أن توقف الحرب وتوحدهم وتتخلص من تشددها تدريجياً، قبل أن تأتي كارثة 11 أيلول التي اُستثمرت لسحق أفغانستان واحتلالها، وتعود المآسي من حرب إلى حرب، كان من الممكن أن تُتقى مع أي تنازل سياسي وفكري، لو راعى المصلحة الكبرى فلن تكون خسائره كما هو التصلب المميت والقتال المجنون، من يعي الدرس اليوم في سوريا بعد أفغانستان؟
بقلم : مهنا الحبيل
copy short url   نسخ
29/09/2016
5029