+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي
عضو هيئة التدريس بقسم القرآن والسنة في جامعة قطربسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
الأمانة من أبرز أخلاق الرّسل عليهم الصّلاة والسّلام فنوح وهود وصالح ولوط وشعيب في سورة الشّعراء يخبرنا الله عزّ وجلّ أنّ كلّ رسول من هؤلاء قد قال لقومه: (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) ورسولنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم قد كان في قومه قبل الرّسالة وبعدها مشهورا بينهم بأنّه الأمين. وكان النّاس يختارونه لحفظ ودائعهم عنده. ولمّا هاجر صلّى الله عليه وسلّم وكلّ عليّ بن أبي طالب بردّ الودائع إلى أصحابها.
وجبريل عليه السّلام أمين الوحي، وقد وصفه الله بذلك في قوله:( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ* نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ).
والمجالات الّتي تدخل فيها الأمانة كثيرة منها: الدّين والأعراض والأموال والأجسام والأرواح والمعارف والعلوم والولاية والوصاية والشّهادة والقضاء والكتابة ونقل الحديث والأسرار والرّسالات والسّمع والبصر وسائر الحواسّ، ولكلّ واحدة من التّفصيل ما يناسبها.
وقال النّيسابوريّ: الأمانة هي الطّاعة وهي التّكليف، ثمّ ذكر أنّ التّكليف هو الأمر بخلاف ما في الطّبيعة، وهذا النّوع ليس في السّموات والأرض والجبال، لأنّ السّموات لا يطلب منها الهبوط، والأرض لا يطلب منها الصّعود ولا الحركة، والجبال لا يطلب منها السّير، وكذا الملائكة مهتمّون بالتّسبيح والتّقديس، (وإنّما في الإنسان وحده)، وسمّي التّكليف أمانة لأنّ من قصّر فيه فعليه الغرامة ومن أدّاه فله الكرامة، وعرض الأمانة بهذا المعنى على هذه الأجرام وإباؤها من حملها هو لعدم صلوحها لهذا الأمر، وقد خصّ بعضهم التّكليف بقول: «لا إله إلّا الله عزّ وجلّ، قال النّيسابوري: والأظهر عندي أنّ الأمانة هي الاستعداد الّذي جبل كلّ نوع من المخلوقات عليه، وحمل الأمانة عبارة عن عدم أداء حقّها، كما يقال: فلان ركب عليه الدّين، فكلّ من أخرج ما في قوّته إلى الفعل فهو مؤدّ للأمانة وقاض حقّها، وإلّا فهو حامل لها، ولا ريب أنّ السّموات مسخّرات بأمر الله كلّ يجري لأجل مسمّي، والأرض ثابتة في مستقرّها، والجبال راسخة في أمكنتها، وهكذا كلّ نوع إلّا الإنسان، فإنّ كثيرا من الأشخاص، بل أكثرها مائلة إلى أسفل سافلين، فلا جرم إن لم يقض حقّ الأمانة وانحطّ إلى رتبة الأنعام، فوصف بالظّلوميّة لأنّه صرف الاستعداد في غير ما خلق لأجله، وبالجهوليّة لأنّه جهل عاقبة إفساد الاستعداد، أو علم ولم يعمل بعلمه، فنفي عنه العلم لانتفاء ثمرته، وعلى ذلك فالمراد بالإنسان هو الآدميّون، وحمل الشّيء على بعض الجنس يكفي في صدقه على الجنس كلّه».
ولقد ذكر كثير من المفسّرين ما يؤيّد أنّ الأمانة هي التّكليف عندما قال: إنّ ما كلّفه الإنسان بلغ من عظمه وثقل محمله أنّه عرض على أعظم ما خلق الله من الأجرام وأقواه فأبى محمله، وحملها الإنسان على ضعفه ورخاوة قوّته، قال أبو حيّان: أي أنّ الإنسان لم يكن حاله- فيما يصحّ منه من الانقياد لأوامر الله ونواهيه، وهو حيوان صالح للتّكليف- مثل حال تلك الجمادات فيما يصحّ منها ويليق بها من الانقياد، وقال ابن كثير: ما قيل في الآية الكريمة من الأقوال العديدة لا تنافي بينها، بل هي متّفقة وراجعة إلى أنّها التّكليف وقبول الأوامر والنّواهي بشرطها، وهو أنّه إن قام بذلك أثيب، وإن تركها عوقب».
وذكر ابن الجوزيّ- نقلا عن بعض المفسّرين أنّ الأمانة في القرآن الكريم على ثلاثة أو جه: أحدها: الفرائض ومنه قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ). والثّاني: الوديعة، ومنه قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها). والثّالث: العفّة (والصّيانة)، ومنه قوله تعالى: (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ).
وبالأمانة يحفظ الدّين والأعراض والأموال والأجسام والأرواح والمعارف والعلوم والولاية والوصاية والشّهادة والقضاء والكتابة، فهي من أعظم الصّفات الخلقيّة الّتي وصف الله بها عباده المؤمنين بقوله (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ).
الأمانة من أبرز أخلاق الرّسل عليهم الصّلاة والسّلام فنوح وهود وصالح ولوط وشعيب في سورة الشّعراء يخبرنا الله عزّ وجلّ أنّ كلّ رسول من هؤلاء قد قال لقومه: (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) ورسولنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم قد كان في قومه قبل الرّسالة وبعدها مشهورا بينهم بأنّه الأمين. وكان النّاس يختارونه لحفظ ودائعهم عنده. ولمّا هاجر صلّى الله عليه وسلّم وكلّ عليّ بن أبي طالب بردّ الودائع إلى أصحابها.
وجبريل عليه السّلام أمين الوحي، وقد وصفه الله بذلك في قوله:( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ* نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ).
والمجالات الّتي تدخل فيها الأمانة كثيرة منها: الدّين والأعراض والأموال والأجسام والأرواح والمعارف والعلوم والولاية والوصاية والشّهادة والقضاء والكتابة ونقل الحديث والأسرار والرّسالات والسّمع والبصر وسائر الحواسّ، ولكلّ واحدة من التّفصيل ما يناسبها.
وقال النّيسابوريّ: الأمانة هي الطّاعة وهي التّكليف، ثمّ ذكر أنّ التّكليف هو الأمر بخلاف ما في الطّبيعة، وهذا النّوع ليس في السّموات والأرض والجبال، لأنّ السّموات لا يطلب منها الهبوط، والأرض لا يطلب منها الصّعود ولا الحركة، والجبال لا يطلب منها السّير، وكذا الملائكة مهتمّون بالتّسبيح والتّقديس، (وإنّما في الإنسان وحده)، وسمّي التّكليف أمانة لأنّ من قصّر فيه فعليه الغرامة ومن أدّاه فله الكرامة، وعرض الأمانة بهذا المعنى على هذه الأجرام وإباؤها من حملها هو لعدم صلوحها لهذا الأمر، وقد خصّ بعضهم التّكليف بقول: «لا إله إلّا الله عزّ وجلّ، قال النّيسابوري: والأظهر عندي أنّ الأمانة هي الاستعداد الّذي جبل كلّ نوع من المخلوقات عليه، وحمل الأمانة عبارة عن عدم أداء حقّها، كما يقال: فلان ركب عليه الدّين، فكلّ من أخرج ما في قوّته إلى الفعل فهو مؤدّ للأمانة وقاض حقّها، وإلّا فهو حامل لها، ولا ريب أنّ السّموات مسخّرات بأمر الله كلّ يجري لأجل مسمّي، والأرض ثابتة في مستقرّها، والجبال راسخة في أمكنتها، وهكذا كلّ نوع إلّا الإنسان، فإنّ كثيرا من الأشخاص، بل أكثرها مائلة إلى أسفل سافلين، فلا جرم إن لم يقض حقّ الأمانة وانحطّ إلى رتبة الأنعام، فوصف بالظّلوميّة لأنّه صرف الاستعداد في غير ما خلق لأجله، وبالجهوليّة لأنّه جهل عاقبة إفساد الاستعداد، أو علم ولم يعمل بعلمه، فنفي عنه العلم لانتفاء ثمرته، وعلى ذلك فالمراد بالإنسان هو الآدميّون، وحمل الشّيء على بعض الجنس يكفي في صدقه على الجنس كلّه».
ولقد ذكر كثير من المفسّرين ما يؤيّد أنّ الأمانة هي التّكليف عندما قال: إنّ ما كلّفه الإنسان بلغ من عظمه وثقل محمله أنّه عرض على أعظم ما خلق الله من الأجرام وأقواه فأبى محمله، وحملها الإنسان على ضعفه ورخاوة قوّته، قال أبو حيّان: أي أنّ الإنسان لم يكن حاله- فيما يصحّ منه من الانقياد لأوامر الله ونواهيه، وهو حيوان صالح للتّكليف- مثل حال تلك الجمادات فيما يصحّ منها ويليق بها من الانقياد، وقال ابن كثير: ما قيل في الآية الكريمة من الأقوال العديدة لا تنافي بينها، بل هي متّفقة وراجعة إلى أنّها التّكليف وقبول الأوامر والنّواهي بشرطها، وهو أنّه إن قام بذلك أثيب، وإن تركها عوقب».
وذكر ابن الجوزيّ- نقلا عن بعض المفسّرين أنّ الأمانة في القرآن الكريم على ثلاثة أو جه: أحدها: الفرائض ومنه قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ). والثّاني: الوديعة، ومنه قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها). والثّالث: العفّة (والصّيانة)، ومنه قوله تعالى: (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ).
وبالأمانة يحفظ الدّين والأعراض والأموال والأجسام والأرواح والمعارف والعلوم والولاية والوصاية والشّهادة والقضاء والكتابة، فهي من أعظم الصّفات الخلقيّة الّتي وصف الله بها عباده المؤمنين بقوله (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ).