سألَ رجلٌ حاتم الطائي: هل غلبك َأحدٌ في الكرم؟

قال: نعم، غلامٌ يتيمٌ من طيء، نزلتُ بفنائه، وكانتْ له عشرة رؤوس من الغنم، فعمدَ إلى واحدٍ فذبحه، وأصلحَ لحمه، وقدَّمه إليَّ، وكانَ ممَّا قدَّم الدماغ، فأكلتُ منه، واستطبْتُه!

وقلتُ: طيِّب والله.

فخرجَ من بين يديَّ، وجعلَ يذبحُ رأساً رأساً، ويُقدمُ إليَّ الدماغ، وأنا لا أعلم، فلما خرجتُ لأرحل، وجدتُ حول البيت دماً عظيماً، وإذا به قد ذبحَ الغنم كله!

فقلتُ له: لم فعلتَ هذا؟

فقال: كيف تستطيب نفسُكَ شيئاً أملكه، وأبخلُ به عليكَ، إنَّ ذلك لسُبَّة عند العرب!

فعوضته عن ذلك ثلاثمائة ناقة حمراء!

فقالَ الرجل: أنتَ إذاً أكرم منه.

فقال: بل هو أكرم، لأنه جادَ بكلِّ ما يملكه، وأنا جُدْتُ بقليلٍ من كثير!

وأجملُ من هذه القصة ما رواه فقيه الأندلس «ابن حزم» في كتابه «المحلى»، من حديثِ أبي هُريرة، أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: سَبَقَ دِرهمٌ مائةَ ألف درهم!

قالوا: كيف؟

فقال: كانَ لرجلٍ درهمان، تصدَّقَ بأحدهما، وانطلقَ رجلٌ إلى عُرضِ ماله، فأخذَ مائة ألف درهم، فتصدَّقَ بها!

بمعنى أن الذي يملكُ درهمين، قد تصدَّقَ بنصفِ ماله حين تصدَّقَ بدرهمٍ واحد، أما الذي تصدَّقَ بمائةِ ألفِ درهم فكانَ يملكُ المليارات! الأمرُ بالنسبة!

وهذا لا يعني أن يتوقفَ الأغنياءُ عن الصدقة، وإنَّما المقصود أن لا يستقلَّ الإنسان صدقته إن كانَ فقيراً!

فإن رغيفاً لا تملك غيره تقسمه بينك وبين جارٍ جائعٍ يُكتبُ لكَ عند الله أنكَ تصدَّقْتَ َبنصفِ ثروتكَ! وعليه قِسْ!

أما معشر الأغنياء فحسبكم النيشان النبوي الذي تقلَّدَهُ عُثمان بن عفان يوم جهَّزَ جيش العُسرة: ما ضرَّ عُثمان ما فعلَ بعد اليوم!