في البداية استقبلنا الأمر بحسن نية ونقاء طوية، إلى أن بدأت الحقائق تتكشف أمامنا شيئا فشيئا، والنوايا الخبيثة تتضح رويدا رويدا، إذن هي حملات تحريض وزيف ممنهجة ضد قطر، كونها أول دولة عربية وأول دولة في الشرق الأوسط تظفر بتنظيم بطولة كأس العالم ليس إلا.
على مدى السنوات الماضية عقب الفوز باستضافة البطولة، ونحن نتصدى لإطلاق وابل من شائعات وادعاءات لا أساس لها من الصحة، وافتراءات مختلقة في المقام الأول، وسقطات هوت فيها صحف كنا نحسبها نزيهة، تتحرى الصدق في الخبر والدقة في التحليل، ولكن خاب فيها ظننا وفقدت ثقة قرائها، مثل الغارديان وغيرها من بعض الصحف الأوروبية التي نشرت أرقاما وهمية عن وفيات وقعت بين العمال خاصة النيباليين، الأمر الذي نفته نيبال نفيا قاطعا، فأقل ما يقال عن هذه الحملات أنها «فبركات رخيصة» تعود على كل من أطلقوها بكل نقيصة، أما نحن فقد انصرفنا وشأننا نبني وننجز ليكون ردنا على هذه الافتراءات بالأفعال لا بالأقوال، فخضنا ملحمة ممتعة وشيقة أصبحت مثار إعجاب الجميع، أنشأنا خلالها ملاعب متميزة صديقة للبيئة تعمل بالطاقة النظيفة، لا تضاهيها في الجودة أرقى الملاعب في الدول الأوروبية، وبنية تحتية رائعة ومتينة، بها كل مقومات التنمية المستدامة تتضمن نظاما للنقل السريع به أحدث القطارات الفخمة، وشبكة طرق سريعة تسير عليها أحدث الباصات يشعر ركابها أنها تسير على حرير، ومطارات تستقبل أحدث وأكبر الطائرات، صنفت من قبل منظمات محايدة بأنها الأفضل عالميا، وسلسلة فنادق جديدة وأبراج سكنية شاهقة عبارة عن طرز معمارية حديثة، وجسور تربط بين المدن والأحياء، كل هذا وغيره ضمن الاستعدادات لاستضافة أكبر بطولة كروية رياضية.
وحديثا انزلقت سعادة نانسي فيزر وزيرة الداخلية الألمانية نفس المنزلق، وحادت عن جادة الصواب، فاستبقت زيارتها للدوحة بتصريحات مستفزة ومستهجنة، بعيدة كل البعد عن الواقع والحقائق، نطقت عبارة فجَّة يعِفُّ قلمي عن كتابتها، وكأني بها تطالب بأن تكون استضافة بطولات كأس العالم أو كرة القدم عموما حكرا على الغرب وحدهم.
تصريحات من شأنها أن تعكر صفو العلاقات بين البلدين الصديقين، كنا نتمنى أن يكون لديها من الفطنة والكياسة ما يجعلها تنتظر حتى تصل إلى الدوحة وترى الحقيقة بأم عينيها، ولكن ماذا نقول فيمن غابت عنهم الحكمة والحصافة، ويكفينا في الرد عليها ما قاله مواطنها سعادة زيغمار جابرييل عضو البرلمان الألماني ونائب المستشارة الألمانية ميركل ووزير الخارجية الأسبق إذ قال: «تشيد الأمم المتحدة ومنظمة العمل الدولية كل يوم بالإصلاحات التي حققتها قطر، نحن فقط الألمان من ننتقدها كل يوم، إنها الغطرسة الألمانية تجاه قطر، إننا فعلا ننسى كثيرا، أسأنا في السابق معاملة وإيواء العمال المهاجرين عندنا في ألمانيا، واستغرق الأمر طويلا حتى أصبحنا دولة ليبرالية».
على العموم كان الأولى بها أن تتحدث عن الاستدامة المهددة في ألمانيا بسبب نقص إمدادات الغاز الروسي واتجاه بعض المصانع لإغلاق أبوابها.
لم يجد الحاقدون الحانقون أصحاب الحملات المضللة ستارا أو غطاء لنواياهم السيئة غير الادعاء زورا وبهتانا بانتهاك حقوق العمال الذين عملوا في المنشآت الرياضية، والحقيقة أنه عندما يكون الحديث عن حقوق العمال فإن مكانهم آخر الطابور، فما أكثر ما انتهكوها وما أكثر ما جاروا عليها، فلم يقدموا في تاريخهم شيئا ولو يسيرا من حقوق العمال مقارنة بما قدمته قطر بشهادة المنصفين من بينهم، فبالإضافة إلى المساكن المطورة والمجهزة بالخدمات والتحسينات الحيوية لهؤلاء العمال فقد تقاضوا أجورا مجزية وحوافز مرضية، وتم توفير الطعام الجاهز لهم مجاناً، وكذلك خدمات غسيل الملابس، والمرافق الطبية الموجودة في المواقع، والاتصال بشبكة الإنترنت في السكن، وغيرها من معايير الحياة الآدمية، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل صدرت ترسانة قوانين ولوائح، وتشكلت لجان رقابية لمتابعة حقوق العمال وفض أية منازعات عمالية، فوجدت أن الحقوق تفوق معايير الجودة والعدل المتعارف عليها والمعتمدة دوليا، حتى أن دولهم والعمال أنفسهم أبدوا امتنانا لقطر لتوفيرها فرص عمل لهؤلاء العمال الذين أطل عليهم شبح البطالة بوجهه المخيف، لقد كان فوز قطر باستضافة البطولة فاتحة خير بحق على آلاف الأسر وملايين الأفراد حول العالم.
ستقام البطولة وسيتأكد القاصي والداني أنها النسخة الأفضل في تاريخها، وسيعلم المشككون أي منقلب ينقلبون، وإن غدا لناظره لقريب.
بقلم: د. بثينة حسن الأنصاريخبيرة تطوير التخطيط الاستراتيجي والموارد البشرية