يقضي معظم الناس حياتهم وهم يتحدون الظروف الخارجية وكل من يحاول إعاقتهم عن التقدم صوب النجاح الذي يطمحون إليه، في الوقت الذي يتجاهلون فيه التحدي الأكبر الذي إن خرجوا منه منتصرين، فسيفوزون في أي معركة خارجية؛ ألا وهو مواجهة الذات.

إن من أهم أسباب الإخفاق هو الهروب من مواجهة النفس، كون ذلك يتطلب درجة عالية من المصداقية والشفافية. هل سمعت يوماً أن شخصاً على استعداد لأن تضعه في قفص بين الأسود على أن يقف دقيقة واحدة على خشبة مسرح أمام مئات من الناس ليلقي كلمة؟! كذلك الحال بالنسبة لمواجهة الذات، حيث إن أغلبنا يفضلون فعل أي شيء على أن يقفوا أمام المرآة ليروا ذواتهم بتجرد تام. نميل بطبيعتنا البشرية إلى التكاسل والاسترخاء، ونشعر بضيق شديد من أي فعل أو تصرف يخالف هوانا ورغباتنا، ونكره بذل الجهد ونبحث عن الحلول السهلة البسيطة، حتى لو كانت تعاكس مصلحتنا، ونركض خلف المتع الآنية على حساب أشياء كثيرة تحتاج صبراً وكفاحاً طويل المدى لكنها أعظم وأعلى قيمة.

لهذا فليس من المستغرب أن يجد المرء صعوبة في مواجهة ذاته، بينما من السهولة بمكان أن يلقي باللوم على الناس والظروف وغير ذلك من أسباب واهية. ولعل هذا ما دعا الفيلسوف اليوناني «سقراط» إلى الإدلاء بمقولته الشهيرة «اعرف نفسك»، التي حث من خلالها كل إنسان على معرفة ذاته بعمق والتعرف إلى أخطائه ونقائصه، حيث اعتبر مواجهة الذات أساس النجاح والحياة السعيدة، بل أساس الحكمة والفكر النير.

فإذا أردنا غداً أجمل وحياة مليئة بالحب والنجاح، فلا بد أن نواجه ذواتنا قبل أن نسعى لمواجهة العالم الخارجي. ولتحقيق ذلك نحن بحاجة إلى الاعتراف بأخطائنا ورؤية أنفسنا على حقيقتها بمنأى عن الحجج والمبررات الزائفة، وأن نملك هدفاً في هذه الحياة كما قال الشاعر روبرت برنز: «الهدف من الحياة، أن تحيا لهدف».

وهنا يكمن الفرق الجوهري بين الناجح والفاشل. الناجح هو إنسان صاحب رسالة وهدف استطاع أن ينتصر على ذاته، فأخضع أهواءه لسلطان العقل، ولجم رغباته وتحكم فيها، ووجه مشاعره وأفكاره فيما يخدم مصالحه. في حين أن الفاشل يعيش بلا غاية أو هدف ويخفق المرة تلو الأخرى في معركة المواجهة مع الذات، بعد أن سلم مصيره إلى أهواء النفس، وترك أفكاره ومشاعره تنساب بحرية دون رقيب أو حسيب، فأغرق نفسه في القاع، وشرع يطلب النجدة، بينما مفاتيح النجاة بيده وحده، لكنه ألقاها في قعر بحر عميق.

لا شك أن كل واحد فينا يدرك بالدليل القاطع من وحي حياته الشخصية، أنه عندما يسمح للأفكار السوداوية والمشاعر المثبطة بالتسلل إليه يفقد قدرته على مجابهة الحياة ذاتها، وأن الانصياع الدائم لأهواء النفس هو تذكرة عبور سريعة إلى مدينة الفشل. لكن الكثيرين منا يعيشون واقعاً يخالف أحلامهم بدلاً من مجابهة الذات. وفوق ذلك كله، فإن العالم الخارجي ما هو إلا انعكاس لما يكمن داخلك. إذا كنت تشعر بالسعادة والسلام الروحي فسترى الحياة جميلة رغم كل ما فيها من جوانب سلبية معتمة. وإذا كنت مليئاً بالكراهية والكآبة فسترى الدنيا مسرحاً تراجيديّاً رغم كل ما فيها من جوانب إيجابية مشرقة.