+ A
A -
شهدت 2021 عدداً من الظواهر المناخية المتطرّفة التي لم تشذّ عمّا تحوّل إلى قاعدة خلال السنوات الأخيرة بفعل التغيّر المناخي. وأفادت منظمة «كريستشن أيد» البريطانية غير الحكومية بأن كوارث الطقس العشر الأكثر كلفة في 2021 تخطت 170 مليار دولار وهو رقم أعلى من كلفة العدد نفسه من الكوارث سنة 2020. حينها بلغت أضرار أكبر عشر كوارث قرابة 150 مليار دولار.
تجسّدت الكارثة الأكثر كلفة في الإعصار «أيدا» (أواخر أغسطس/ أوائل سبتمبر) الذي تسبب بأضرار قيمتها 65 مليار دولار. وفرضت الفيضانات في #ألمانيا و#بلجيكا والدول المجاورة كلفة ناهزت 43 مليار دولار. وحلّت في المرتبة الثالثة عاصفة «يوري» التي أطلقت موجة صقيع غير مسبوقة من حيث وصولها إلى خطوط العرض الدنيا، كما حصل في تكساس شهر فبراير الماضي، وبلغت أضرار تلك العاصفة 23 مليار دولار، بحسب المنظّمة نفسها.
عن الارتباط بالتغيّر المناخي
حملت جميع هذه الكوارث بصمة التغيّر المناخيّ. على سبيل المثال، أجرى خبراء من معاهد بحثيّة مختلفة حول العالم ضمن مبادرة «وورلد ويذر أتريبيوشن» دراسة وجدت أنّ احتمال حدوث الفيضانات الكارثية التي اجتاحت ألمانيا وبلجيكا زاد بنسبة تسع مرات بسبب الاحترار الناجم عن النشاط البشري، وأودت تلك الفيضانات بحياة أكثر من 200 شخص.
في الصيف أيضاً، سيطرت قبّة حرارية على غرب كندا والولايات المتحدة فوصلت الحرارة إلى ما يقارب 50 درجة مئوية في مدينة ليتون الواقعة في مقاطعة كولومبيا البريطانية. اللافت في تلك الظاهرة أنّها حطّمت درجات حرارة قياسيّة سابقة على مدى أيام متتالية، بفارق كبير جداً، على عكس ما كان يحصل سابقاً. كانت الأرقام القياسيّة تتحطّم عبر قفزات ضئيلة في الماضي. وقال خبراء في الأرصاد الجوية، إنّ موجة حرّ كهذه يمكن توقّعها «مرّة كل عدة آلاف سنة».
وربطت إحدى الوكالات الحكومية الكندية 569 حالة وفاة بموجة الحرّ الشديد بين 20 حزيران و29 تموز، من بينها 445 حالة وفاة تمّ تسجيلها خلال سيطرة «القبّة الحراريّة». و79 % من الذين توفوا كانوا يبلغون من العمر 65 عاماً وما فوق. كانت ندرة حدث كهذا شبيهة بندرة احتمال تلقّي ألمانيا أمطاراً غزيرة مثل تلك التي تلقّتها خلال أيام أوائل الصيف الماضي. قال أحد الناطقين باسم خدمة الأرصاد الجوية الألمانية إنّ تلك الفيضانات غير مسبوقة ربّما طوال ألف عام.
وشكّل إعصار «أيدا» ثاني أكبر إعصار من حيث الحدة وحجم الأضرار يضرب ولاية لويزيانا بعد إعصار كاترينا سنة 2005. للمفارقة، استقبلت الولاية «أيدا» في الذكرى السادسة عشرة على تعرّضها لإعصار «كاترينا». وقتل الإعصار 95 شخصاً في الولايات المتحدة و20 آخرين في فنزويلا. وفي 24 ساعة فقط، انتقل «أيدا» من كونه إعصاراً من الدرجة الأولى إلى الدرجة الرابعة بفعل احترار المياه في خليج المكسيك والتي كانت أعلى من معدّلاتها ببضع درجات. وحرارة المياه هي وقود للأعاصير، وبالتالي كلّما ارتفعت حرارة المياه ازدادت حدّة هذه الظواهر، ومعها حجم الدمار الذي تفرضه على الولايات الساحليّة.
موجة الصقيع التي اجتاحت تكساس في فبراير 2021 ارتبطت على الأرجح بالتغيّر المناخيّ، على الرغم من أنّ العلماء لا يزالون بحاجة للوقت كي يفهموا العلاقة السببيّة بين الحدثين بشكل أفضل. لقد كانت موجة البرد في تكساس هي الأعنف منذ أربعة عقود، لكنّ فبراير 2021 احتلّ المرتبة 16 على صعيد أكثر الأشهر دفئاً التي شهدها الكوكب منذ بدء السجلّات. من المحتمل أن يساهم ارتفاع درجات حرارة المحيطات في إضعاف الدوّامة القطبيّة التي تحبس عادة الصقيع في خطوط العرض الشماليّة ممّا يؤدّي إلى إطلاقها موجات البرد تصل إلى خطوط العرض الدنيا. تسبّبت موجة الصقيع معطوفة على انقطاع التيار الكهربائيّ بوفاة مئات الأشخاص، علماً انّ الأرقام متباينة: اعترفت ولاية تكساس بوفاة 151 شخصاً لكنّ موقع «بازفيد» أشار إلى وفاة قرابة 700 شخص.
مزيد من الحالات المناخيّة الشاذّة
لم تكن جميع الظواهر المناخيّة الغريبة التي شهدتها 2021 قاتلة. للمرّة الأولى في السجلات، تساقطت الأمطار الغزيرة، عوضاً عن الثلوج، على أعلى نقطة من الغطاء الجليديّ في جزيرة غرينلاند شهر اغسطس الماضي. وكانت درجات الحرارة أعلى من مستوى التجمّد لمدة 9 ساعات، وهي المرة الرابعة في التاريخ، والثالثة منذ 2012. وهذا دليل إضافيّ على أنّ الاحترار العالميّ يسلك مساراً تصاعدياً في السنوات الأخيرة. وأسفرت الأمطار وارتفاع درجات الحرارة إلى هطول 7 مليارات طن من المياه على الغطاء الجليديّ خلال ثلاثة أيام، ممّا أفقد هذه الطبقة، حتى 15 اغسطس، كميات تزيد بسبعة أضعاف عن المعدّل الذي كانت تفقده في اغسطس، وفي اكتوبر، أظهرت دراسة أنّ ذوبان الجليد في غرينلاند هو الأسرع منذ 12 ألف عام.
وفي أكتوبر أيضاً، أصدرت منظمة الأرصاد الجوية الدولية تقريراً أشارت فيه إلى أنّ السنوات السبع الأخيرة هي الأكثر دفئاً منذ أن أطلقت المنظّمة سجلاتها. وحلّت سنة 2021 في المرتبة الخامسة بسبب بروز ظاهرة «لا نينا» في المحيط الهادئ والتي تساهم في تبريد موقّت للأرض. كذلك، تسارع ارتفاع منسوب البحار والمحيطات منذ 2013 حتى وصل إلى رقم قياسي جديد هذه السنة. وحموضة البحار والمحيطات إلى ارتفاع أيضاً.
تغيّر زلزاليّ
وسط كلّ هذه السلبيّات وغيرها، برزت تحليلات أكثر إيجابيّة بشكل نسبيّ. لا يتعلّق الأمر بمؤشّرات مناخيّة بعينها، أو بسياسات عالميّة جديدة لمكافحة التغيّر المناخيّ، بالرغم من أنّ مؤتمر الأمم المتحدة السادس والعشرين للمناخ «كوب-26» شكّل خرقاً أوّليّاً في هذا الإطار. ترتبط الإيجابيّة بانحسار موجة التشكيك في التغيّر المناخيّ.
ونقلت مجلّة «ديسكوفر» عن مؤرّخة العلوم في جامعة هارفارد ناومي أورسكيس قولها إنّ شيئاً ما تغيّر على هذا الصعيد. في 2010، شاركت أورسكيس في وضع كتاب «تجار الشك» الذي وثّق كيف تعاون علماء مسيّسون مع شركات كبيرة ومصالح أخرى للتشكيك في العلوم بدءاً بمضار التدخين وصولاً إلى الاحترار العالمي. اليوم هي تقول «إنّ هذه مشكلة الكأس نصف الممتلئة، نصف الفارغة. بالتأكيد هنالك الكثير من الأمور كي نشعر بالرضا عنها». والمدير التنفيذيّ لمشروع «بروجكت دروداون» للحلول المناخيّة جوناثان فولي وصف الابتعاد عن التشكيك بالاحترار العالميّ بأنّه «تغيّر زلزاليّ».
لا يعني ذلك تحوّلاً كاملاً في المشهد، تحاول بعض الشركات الكبيرة إلقاء اللوم على المستهلك في استمرار انبعاثات غازات الدفيئة. ثمّة انتقال من حالة التشكيك إلى حالة تأجيل الحلول، بحسب تقرير المجلّة نفسها، وهذا ما لا يخدم الحلّ. مع ذلك، لا يمكن إنكار التقدّم الكبير الذي أحرزته البشريّة عبر خطوة الابتعاد عن سرديّات نفي الوقائع العلميّة، إنّها خطوة أولى على طريق الألف ميل المناخيّة.
تجسّدت الكارثة الأكثر كلفة في الإعصار «أيدا» (أواخر أغسطس/ أوائل سبتمبر) الذي تسبب بأضرار قيمتها 65 مليار دولار. وفرضت الفيضانات في #ألمانيا و#بلجيكا والدول المجاورة كلفة ناهزت 43 مليار دولار. وحلّت في المرتبة الثالثة عاصفة «يوري» التي أطلقت موجة صقيع غير مسبوقة من حيث وصولها إلى خطوط العرض الدنيا، كما حصل في تكساس شهر فبراير الماضي، وبلغت أضرار تلك العاصفة 23 مليار دولار، بحسب المنظّمة نفسها.
عن الارتباط بالتغيّر المناخي
حملت جميع هذه الكوارث بصمة التغيّر المناخيّ. على سبيل المثال، أجرى خبراء من معاهد بحثيّة مختلفة حول العالم ضمن مبادرة «وورلد ويذر أتريبيوشن» دراسة وجدت أنّ احتمال حدوث الفيضانات الكارثية التي اجتاحت ألمانيا وبلجيكا زاد بنسبة تسع مرات بسبب الاحترار الناجم عن النشاط البشري، وأودت تلك الفيضانات بحياة أكثر من 200 شخص.
في الصيف أيضاً، سيطرت قبّة حرارية على غرب كندا والولايات المتحدة فوصلت الحرارة إلى ما يقارب 50 درجة مئوية في مدينة ليتون الواقعة في مقاطعة كولومبيا البريطانية. اللافت في تلك الظاهرة أنّها حطّمت درجات حرارة قياسيّة سابقة على مدى أيام متتالية، بفارق كبير جداً، على عكس ما كان يحصل سابقاً. كانت الأرقام القياسيّة تتحطّم عبر قفزات ضئيلة في الماضي. وقال خبراء في الأرصاد الجوية، إنّ موجة حرّ كهذه يمكن توقّعها «مرّة كل عدة آلاف سنة».
وربطت إحدى الوكالات الحكومية الكندية 569 حالة وفاة بموجة الحرّ الشديد بين 20 حزيران و29 تموز، من بينها 445 حالة وفاة تمّ تسجيلها خلال سيطرة «القبّة الحراريّة». و79 % من الذين توفوا كانوا يبلغون من العمر 65 عاماً وما فوق. كانت ندرة حدث كهذا شبيهة بندرة احتمال تلقّي ألمانيا أمطاراً غزيرة مثل تلك التي تلقّتها خلال أيام أوائل الصيف الماضي. قال أحد الناطقين باسم خدمة الأرصاد الجوية الألمانية إنّ تلك الفيضانات غير مسبوقة ربّما طوال ألف عام.
وشكّل إعصار «أيدا» ثاني أكبر إعصار من حيث الحدة وحجم الأضرار يضرب ولاية لويزيانا بعد إعصار كاترينا سنة 2005. للمفارقة، استقبلت الولاية «أيدا» في الذكرى السادسة عشرة على تعرّضها لإعصار «كاترينا». وقتل الإعصار 95 شخصاً في الولايات المتحدة و20 آخرين في فنزويلا. وفي 24 ساعة فقط، انتقل «أيدا» من كونه إعصاراً من الدرجة الأولى إلى الدرجة الرابعة بفعل احترار المياه في خليج المكسيك والتي كانت أعلى من معدّلاتها ببضع درجات. وحرارة المياه هي وقود للأعاصير، وبالتالي كلّما ارتفعت حرارة المياه ازدادت حدّة هذه الظواهر، ومعها حجم الدمار الذي تفرضه على الولايات الساحليّة.
موجة الصقيع التي اجتاحت تكساس في فبراير 2021 ارتبطت على الأرجح بالتغيّر المناخيّ، على الرغم من أنّ العلماء لا يزالون بحاجة للوقت كي يفهموا العلاقة السببيّة بين الحدثين بشكل أفضل. لقد كانت موجة البرد في تكساس هي الأعنف منذ أربعة عقود، لكنّ فبراير 2021 احتلّ المرتبة 16 على صعيد أكثر الأشهر دفئاً التي شهدها الكوكب منذ بدء السجلّات. من المحتمل أن يساهم ارتفاع درجات حرارة المحيطات في إضعاف الدوّامة القطبيّة التي تحبس عادة الصقيع في خطوط العرض الشماليّة ممّا يؤدّي إلى إطلاقها موجات البرد تصل إلى خطوط العرض الدنيا. تسبّبت موجة الصقيع معطوفة على انقطاع التيار الكهربائيّ بوفاة مئات الأشخاص، علماً انّ الأرقام متباينة: اعترفت ولاية تكساس بوفاة 151 شخصاً لكنّ موقع «بازفيد» أشار إلى وفاة قرابة 700 شخص.
مزيد من الحالات المناخيّة الشاذّة
لم تكن جميع الظواهر المناخيّة الغريبة التي شهدتها 2021 قاتلة. للمرّة الأولى في السجلات، تساقطت الأمطار الغزيرة، عوضاً عن الثلوج، على أعلى نقطة من الغطاء الجليديّ في جزيرة غرينلاند شهر اغسطس الماضي. وكانت درجات الحرارة أعلى من مستوى التجمّد لمدة 9 ساعات، وهي المرة الرابعة في التاريخ، والثالثة منذ 2012. وهذا دليل إضافيّ على أنّ الاحترار العالميّ يسلك مساراً تصاعدياً في السنوات الأخيرة. وأسفرت الأمطار وارتفاع درجات الحرارة إلى هطول 7 مليارات طن من المياه على الغطاء الجليديّ خلال ثلاثة أيام، ممّا أفقد هذه الطبقة، حتى 15 اغسطس، كميات تزيد بسبعة أضعاف عن المعدّل الذي كانت تفقده في اغسطس، وفي اكتوبر، أظهرت دراسة أنّ ذوبان الجليد في غرينلاند هو الأسرع منذ 12 ألف عام.
وفي أكتوبر أيضاً، أصدرت منظمة الأرصاد الجوية الدولية تقريراً أشارت فيه إلى أنّ السنوات السبع الأخيرة هي الأكثر دفئاً منذ أن أطلقت المنظّمة سجلاتها. وحلّت سنة 2021 في المرتبة الخامسة بسبب بروز ظاهرة «لا نينا» في المحيط الهادئ والتي تساهم في تبريد موقّت للأرض. كذلك، تسارع ارتفاع منسوب البحار والمحيطات منذ 2013 حتى وصل إلى رقم قياسي جديد هذه السنة. وحموضة البحار والمحيطات إلى ارتفاع أيضاً.
تغيّر زلزاليّ
وسط كلّ هذه السلبيّات وغيرها، برزت تحليلات أكثر إيجابيّة بشكل نسبيّ. لا يتعلّق الأمر بمؤشّرات مناخيّة بعينها، أو بسياسات عالميّة جديدة لمكافحة التغيّر المناخيّ، بالرغم من أنّ مؤتمر الأمم المتحدة السادس والعشرين للمناخ «كوب-26» شكّل خرقاً أوّليّاً في هذا الإطار. ترتبط الإيجابيّة بانحسار موجة التشكيك في التغيّر المناخيّ.
ونقلت مجلّة «ديسكوفر» عن مؤرّخة العلوم في جامعة هارفارد ناومي أورسكيس قولها إنّ شيئاً ما تغيّر على هذا الصعيد. في 2010، شاركت أورسكيس في وضع كتاب «تجار الشك» الذي وثّق كيف تعاون علماء مسيّسون مع شركات كبيرة ومصالح أخرى للتشكيك في العلوم بدءاً بمضار التدخين وصولاً إلى الاحترار العالمي. اليوم هي تقول «إنّ هذه مشكلة الكأس نصف الممتلئة، نصف الفارغة. بالتأكيد هنالك الكثير من الأمور كي نشعر بالرضا عنها». والمدير التنفيذيّ لمشروع «بروجكت دروداون» للحلول المناخيّة جوناثان فولي وصف الابتعاد عن التشكيك بالاحترار العالميّ بأنّه «تغيّر زلزاليّ».
لا يعني ذلك تحوّلاً كاملاً في المشهد، تحاول بعض الشركات الكبيرة إلقاء اللوم على المستهلك في استمرار انبعاثات غازات الدفيئة. ثمّة انتقال من حالة التشكيك إلى حالة تأجيل الحلول، بحسب تقرير المجلّة نفسها، وهذا ما لا يخدم الحلّ. مع ذلك، لا يمكن إنكار التقدّم الكبير الذي أحرزته البشريّة عبر خطوة الابتعاد عن سرديّات نفي الوقائع العلميّة، إنّها خطوة أولى على طريق الألف ميل المناخيّة.