+ A
A -
في سابقة تاريخية صَرخَتْ جولدا مائير GOLDA MEIR (خَلَف ليفي إشكول LEVI ESHKOL ثالث رئيس وزراء إسرائيل) أيّامَ بدأ العربي المسكين يشاهد أولى حلقات مسلسل النوم الطويل: «عندما أحرقْنا القدسَ لم أنمْ طيلة الليل وتوقعتُ أن العربَ سيأتون نازحين من كل حدب وصوب نحو إسرائيل، فعندما بَزغَ الصباحُ عَلِمْتُ وأَيْقنْتُ أننا أمام أُمَّةٍ نائمةٍ».
في الوقت الذي كانت فيروز تغني فيه بحماس للقدس مدينة السلام وتحلم بجواد الرهبة الآتي وتُحَرِّض على الغضب الساطع كان العربي يشدّ إليه أغطيةَ سريره وينامُ.. والمسكينة فيروز صوتُها المبحوح المنادي بالسلام لا ينام.. بَهاء وأيّ بَهاء هذا الذي بأيدينا أعدناه للقدس!
النسرُ الذي انقضّ على ذراع فلسطين وأوقعَ قدميها في قبضته لا يختلف عن حمامةِ السلام التي ضَربتْ بمنقارٍ من حديد على كَتِفِ العراق ثم على صَدْر سوريا.. والعربي يُنَفِّسُ عن غضبه بالنوم ويُسَكِّنُ غضبَه بالنوم..
في ظِلّ الدمار الجاثم، المستفيدون ثلاثة: هُمْ تباعا: صُناَّعُ الموت، تُجَّار الأسلحة، صُنَّاع الأطراف الصالحة للاستعمال الآدمي، وحَفَّار القُبور. أوانُ استفادةِ حَفَّار القبور قد فات بما أن حَفَّارَ القبور نفسَه مات.. هل سقط في الحفرة التي حفرها قبرا لمن تعذر وصولُهم إليها قبل أن تذوب مُكَعَّباتُ جُثَثِهم في بَحْرِ الدم؟ ليس هذا موضوعنا.. صُنَّاعُ الأطراف الصالحة للاستعمال الآدمي هؤلاء تَلزمُهم مِنَح دولية من أجل السهر على بحث صناعة مُخّ وجمجمة وفَم ورَحِم وكَبِد ومَعِدَة وأحْشاء وأجهزة تناسلية وقِسْ على ذلك.. خلاصة القول فإنهم (صُنَّاع الأطراف) في حاجة إلى صناعة قِطَع غيار لإنسان كامل، لأن الحربَ تطحن كُلَّ شيء، وما تُبْقيه من أشلاء لا يَصلحُ لِدَفْعِ عَرَبَةِ الشَّيْءِ الذي يُطْلَقُ عليه الإنسان إلى الأمام.. السيادة لِصُنَّاع الموتِ ومُرِيدي الإبادة.
حقيقةٌ مُخْزِية ما تقولُه المشاهد الدامية التي تَأكلُ قطعةً من قلبك وأنت تعاينُ اللحومَ الحمراء المتهالِكة تحت غلاف الدم في مسلخ حلب الذي يُذيبُ قلوبَ الحجارة ويُجَرِّعُك عنوةً المرارةَ إن كنتَ ممن أكرمهم اللهُ بقلبٍ حَيّ.. أما شبيهُك في الصورة ممن بُنِّجَتْ قُلوبُهم، واصلْ حبيبي، واصلْ، اِسْتَلْقِ على الأريكة الفاخرة، قُبالَتَك شاشة كبيرة ساحرة تُزَيِّنُ لك وُجوهَ الدُّمى الآدمية الطائرة التي تُلْهِبُ شهوتَك إلى عناقها لكن المسكينةَ يَدَك لا تطولهن، لذلك تحكم قبضتَها على كأس الكولا وأنت تتبجح أمام الخلق بمقاطعة سلع الشقيقتين «إِسْريكا» و»أَمْرائيل».
يَشْغلُكَ عن دنيا الدِّماء المهدورة تَحَسُّسُك لِكُرسيك الدافئ هل مازال تَحْتَك أم أنه يَزْحَفُ بعيدا عنك.. كُلُّ صاحِب منصِبٍ صاحِبُ كرسي.. طُلاَّبُ الإحسانِ والعملِ والحياةِ الطالعون من قَبْر المرحومة سوريا هم أيضا كانوا أسياداً وأربابَ عَملٍ ومُلاَّكَ بيوتٍ ومُلاَّكَ قَطيعٍ من الأراضي منهم التاجر والقاضي.. لكن اُنْظُرْ كَيْفَ بَهْدَلَهُم الزَّمَنُ..
أقصى ما يمكن أن تَبلغَه أفواهُنا أن نَضُمَّ أصواتنا إلى صوت العَمّ «بان» باستنكارنا منددين وعن قلقنا مُعْرِبين.. صَمتُنا رهيب يا رِجَال! أَغْلَقْنا أَفواهَنا فسَلَبُوا فلسطين، نَجَحتْ معنا سياسةُ تكميم الأفواه فتَجَرَّأُوا ونَهَبُوا العراقَ، حَطَّمْنا الرقمَ القياسي في الصمت فتَثَاءَبُوا وحَلَبُوا سوريا وصَلَبُوا الشعبَ المسكينَ على عَمودِ جُوعِه إلى رغيفِ الحريةِ وجُوعِنا إلى الصمت.. شَرِبُوا نَخْبَ آبارِ الدماء التي مَلَأُوا منها ما يُغَطِّي المحيطَ..
فَلْيَحْيَ قَلَقُ العَمّ «بان» ولْيَهْزَأْ الأميركان ولْتَتَمَرَّدْ طالبان وداعشان.. ولْيُقْبِلِ النائمون على شُرب الألبان.. الألبان تُلَذِّذُ النومَ.. نامُوا.. نامُوا ولا تستيقظوا.. هذه وصية الشيخ الحكيم معروف.. فَلْتَشْهَدِ الرُّصافةُ أنه بَلَّغَ. الحرير أمامكم والسرير وراءكم.. فإما النوم.. وإما النوم.
مُوجِع مَشْهَدُ الإِبَرِ الصينية (في الحُلم) وهي تَنْغَرِزُ في ذراعيَّ على يد طبيبةٍ لا أعرفُها تقول إن أمامي أسبوعا لأموت.. مُوجِع وقعُ الخفقان الرهيب الذي لا تَحسبُ الأشجارُ النابتة في غابتي حسابَه حدّ أن تَنْفخَ بما تَلْفظه من (O²) في جمرة تَوتُّري العاصفِ بعرش قلبي مما يدفعني إلى أن أرفو منديلَ ليلي بخيوط المناجاةِ واقفةً عند شُرفة السُّهاد أَحْلُبُ غيمةَ التَّمَنّي وأُغَازِلُ القَمَرَ وأنا أَقْتُلُ صَمتَه وأَكْتم صخَبَ النَّبْضِ بما أَخْلِطُه من مستحضراتِ تنظيفٍ أُطَهِّرُ بها أرضيةَ البيتِ بعد الواحدة صباحا من باب التنفيس عن غضبي.. ولا أنام..
أَرْفَعُ رايةَ الهزيمةِ كما رَفَعَها جون بول سارتر صارخا: «ليس لَدَيَّ أيّ سببٍ لِأعيشَ».. ما عُدْتُ غالية! لَسْتُ أكثر من عُودِ ثقابٍ يَتِمُّ حَكُّه عند الحاجةِ لإشعالِ كبريتٍ يُحَرِّرُ سيجارةً.

بقلم : سعاد درير
copy short url   نسخ
07/10/2016
2893