يروي الأوروبيون في حكاياهم الشعبية:
إن سيدة عجوزا قالت لأحفادها يوما: أنا لم أركب قطارا طوال حياتي. ولأنهم رأوا رغبة جدتهم في ركوب القطار، اشتروا لها تذكرة على الفور، إلى مدينة قريبة كي تزور صديقتها.
ركبت الجدة القطار، فلاحظت أن أحد المقاعد في المقصورة ممزق غطاؤه، فحملت أغراضها بغضب، وقصدت مقصورة أخرى، وفي المقصورة الجديدة أزعجتها رسومات على جلود المقاعد، فقامت مرة أخرى بتغير المقصورة.
في الحقيقة إن الجدة بقيت تنتقل من مقصورة إلى أخرى طوال الرحلة، وما إن جلست أخيرا لأن الخيارات قد ضاقت عليها، لاحظت جمال الريف حيث يمر القطار بين المدينتين، وما كادت تستمتع بهذا المنظر الخلاب، حتى أعلن سائق القطار عن قرب نزول الجدة في محطتها المنشودة!
قالت الجدة في نفسها: لو كنت أعلم أن الرحلة قصيرة جدا، ما قضيت هذا الوقت أشكو وأتذمر، وكنت استمتعت بجمال الطبيعة!
إن رحلة الحياة من الميلاد إلى الموت، تشبه إلى حد بعيد رحلة العجوز بين المدينتين!
الرحلة لا تخلو من المنغصات أبدا، ولكن الأشياء الجميلة ماثلة للعيان، ولكن للأسف إننا نشيح نظرنا عنها، ونركز فقط في المنغصات، فيضيع علينا جمال الرحلة!
وظيفتك شاقة أعرف، ولكن غيرك عاطل عن العمل، فهلا تأملت معنى أن يكفيك الله تعالى الحاجة إلى الناس!
زوجك فيه شيء من العصبية، لا يخلو إنسان من طبع، ولكنه شهم وكريم ويغار عليك، لماذا عليك أن تنظري إلى النقطة السوداء في الصفحة البيضاء، بينما الأصل أن تفهمي طبعه، وتتصرفي على أساسه، وهذا من ذكاء العشرة؟!
بيتك صغير وبالكاد يتسع لك وللأولاد، ولكن لك مكان تأوي إليه، وصدر حنون تضع رأسك عليه من وعثاء يومك، وفي الدنيا ملايين ممن لا بيوت تأويهم، ولا زوجات يؤنسنهم في ليلهم الطويل!
أولادك أشقياء، بالكاد ترتبين البيت حتى يعيثوا فيه فسادا، ملابسهم تتسخ بسرعة، ويأكلون في اليوم عشر مرات! الوضع متعب، وعمل البيت يطحن العظم، ولكن هلا سألت نفسك: كم امرأة حرمت الولد؟!
وكم أما لديها ولد عنده إعاقة، كانت تتمنى لو أنه يهدم البيت كل يوم، ولا تراه على هذه الحالة؟!
أولادك ينبشون البيت لأنهم أصحاء! ويأكلون لأن فيهم عافية، ويلعبون ويوسخون ثيابهم لأن فيهم الكثير من النشاط!
سر الحياة يكمن في النظرة إليها، في العين التي ترى لا في المشهد الذي يُرى، وفي الحمد على نصف الكأس الممتلئ بدل الندب على نصفه الفارغ، لأن المحروم من الرضى محروم من السكينة!