الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، لا يستطيع أن يحيا بمفرده طيلة الوقت. وبسبب هذه الطبيعة، نشأت الحضارات، وقامت المجتمعات، وتزاوج الناس على امتداد العصور، وجمعتهم ببعضهم البعض علاقات صداقة وعمل.هذا يعني، أنه لا بد لك كإنسان من الاختلاط بالآخرين سواء أردت ذلك أم لم ترد، فمهما حاولت النأي بنفسك عن المجتمع، إلا أنك في حقيقة الأمر تحيا وسط أقرانك، خصوصاً إذا كنت من قاطني المدن، حيث يعيش الآلاف بل وحتى الملايين من البشر.كل يوم تفتح فيه باب منزلك لتخرج إلى الوسط الخارجي، أو تشغل فيه الكمبيوتر الخاص بك لتتصفح وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، لا بد أن تلتقي بأشخاص قد تنشأ بينك وبينهم علاقة ما مع مرور الوقت.بعض من تقابلهم يستحقون منك كل مودة واحترام، فهم أشبه بالمنارة التي ترشدك في الأوقات التي يغطي الظلام الطريق الذي تسلكه، فتجدهم إلى جانبك في السراء والضراء، حيث تشاركهم أفراحك وأحزانك، وتبادلهم المشاعر الإنسانية والأفكار الإيجابية التي من شأنها تحسين حياة كلا الطرفين، وهنا تظفر بصديق أو حبيب إلى آخر الدهر؛ لأنك أحسنت الاختيار.أما البعض الآخر، يحاولون التقرب منك، فتفسح لهم المجال عن طيب قلب أو سذاجة، وإذ تكتشف بعد حين أنك ضمن علاقة مسمومة، وأن الطرف الآخر يحاول استغلالك ماديّاً أو معنويّاً، أو يقضي جلّ وقته معك في الشكوى والتذمر، فيحيل الحياة في نظرك إلى جحيم بنظرته السوداوية إلى كل شيء حوله. وكلا الأمرين سيّان، فلا فرق بين من يستغلك لأي سبب كان، وبين من يمتص طاقتك الإيجابية وحبك للحياة؛ فكلاهما يضرانك.أما المشكلة الحقيقة، فتكمن في أن معظمنا يقع اختيارهم على الشريك أو الصديق غير المناسب، ويستمرون في العلاقة وقتاً طويلاً قبل أن يدركوا ما أقحموا أنفسهم فيه. لكن عندما تأتي الصحوة من بعد الغفلة، نكون أمام تحدّ حقيقي جديد.في اللحظة التي تدرك فيها أنك ضمن علاقة غير صحية، تكون ملزماً تجاه نفسك باتخاذ قرار نهائي بالابتعاد عن الشخص الذي يغذي تلك العلاقة بسلوكياته وأفكاره السلبية. لكن قبل القرار ينبغي عليك أن تعتذر لا للطرف المقابل، بل إلى ذاتك؛ لأنك أسأت الاختيار. ومن بعدها تنفذ قرارك وتدير ظهرك لمن يسيء إليك.وبعد الاعتذار لأنفسنا، يكون الدرس الذي ينبغي أن نتعلمه من تجاربنا الفاشلة، درس نضعه في مكتبة التجارب كما الكتاب، لنستفيد منه في الأيام اللاحقة، فلا نكرر أخطاءنا مرة أخرى. أما القرار فهو التأكيد العملي على أننا أدركنا الحقيقة واستوعبنا الدرس جيداً.إن لم تحب ذاتك فلن يحبك أحد، وإن لم تقدرها فلن يقدرك أحد، وإن لم تتعلم من تجاربك الماضية فلن يستطيع أحد أن يعلمك شيئاً. لذلك كله، توقف قليلاً وفكر ما إذا كنت الآن تعاني من أية علاقة مسمومة، فقد حان الوقت لوضع حد لها، ومواصلة المشوار.بإمكانك دوماً أن تعثر على البديل، فلا يوجد شيء اسمه الصديق الوحيد أو الشريك الذي لن تجد مثله أبداً. الحياة مليئة بالخيارات، حيث ستتاح لك ألف فرصة وفرصة للتعرف على أشخاص جدد، تختارهم بحنكة ووعي، لتؤسس معهم علاقات صحية تدوم طيلة العمر.ولتعلم أن طيبة القلب ليست نقيصة، بيد أنها معلّم كبير يجعلنا ندرك أن الطيبة لا بد أن تكون ممزوجة بالوعي والحكمة في اتخاذ القرار. لا أن نكون كورقة في مهب الرياح، بابنا مفتوح لكل شخص يريد الولوج إلى حياتنا ببساطة هكذا. بل يجب علينا على الدوام أن ننتقي من نحب ومن نصادق بذكاء، حتى نعيش بسعادة ونجنب أنفسنا أي مشكلات نحن بغنى عنها.
آراء و قضايا
بعد الاعتذار.. القرار
حمد حسن التميمي
Jun 01, 2022
شارك