يروي الكاتب الأميركي «رالف سيو» في كتابه «حِرفة السلاطين» أن ملكَ بلادِ فارس قديماً قد حكمَ على شخصين بالإعدامِ شنقاً!
وكان أحدهما يعرفُ مدى حُب الملكِ لحصانه، فعرضَ عليه أن يُعلمَ الحصانَ الطيران في غضونِ سنة!
بدأَ الملكُ يتخيَّلُ نفسه مُمتطياً صهوةَ الجوادِ الوحيدِ الطائرِ في العالم، ووافقَ على جناحِ السرعةِ على عرضِ الشخصِ المحكومِ بالإعدام!
نظرَ السجينُ الآخرُ إلى صديقه، وهو غير مصدِّق، وقال له: أنتَ تعلمُ أن الأحصنة لا يُمكن أن تطير، فما الذي جعلكَ تقومُ بخطوةٍ مجنونةٍ كهذه؟
فقالَ له صديقه: ليس الأمر كما تقول، ولكني أعطيتُ نفسي أربع فُرص لنيلِ الحُرية!
فأولاً: قد يموتُ الملكُ
ثانياً: قد أموتُ أنا
ثالثاً: قد يموتُ الحصانُ
رابعاً: قد أعلمُ الحصانَ أن يطير!
وتُروى هذه القصة في تُراثنا العربي عن جُحا، ولكن بتفاصيل مختلفة، وإنَّما بنفسِ الفكرةِ العامةِ والمغزى!
عِشْ حاضركَ بسعادةٍ، واستمتِعْ بكلِّ لحظةٍ بين يديك الآن، واترُكْ قلق الغد للغد، فربما يأتي هذا الغد ولا تكون فيه!
غير أن المتأمل بعينِ الفراسةِ في ثنايا القصةِ ليقع على مغزىً أعمق من عيشِ اللحظاتِ الآنية، ألا وهي مهارة اكتسابِ الوقت!
ما دامَ ملك فارس في القصة قد حكمَ على الرجلين بالإعدام، فهذا سيتمُّ في غُضون أيام كما جرت العادة، ولكن أحد الرجلين قامَ بمحاولةٍ ناجحةٍ وهي أنه أكسبَ نفسه سنةً إضافيةً قد يُبدِّلُ اللهُ فيها الأمور من حالٍ إلى حال!
تدورُ مُفاوضاتُ الهُدنةِ أو إيقاف الحرب بين الخُصومِ والمعاركِ في أوجِها، بل إن أشرس المعاركِ تدورُ أثناءَ المفاوضاتِ لأنَّ الطرف الذي يُحققُ نصراً أكبر على الأرضِ يفرضُ شروطاً أفضل على طاولةِ المُفاوضات، وفي مراتٍ كثيرةٍ في التاريخ، كانت الوفودُ المُفاوِضَةُ إذا علمتْ ببدء تقدُّمِ قواتها على الخصومِ تُماطِلُ وتُناقشُ كل بند من بنودِ إيقافِ الحرب، وهي بذلك إنما تُعطي نفسها وقتاً لتحسينِ شُروطها ومكاسبها!