عنوان المقال هو شعار مبادرة الأزهر الشريف المقتبس من الآية الكريمة، ﴿ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمة إن في ذلك لآياتٍ لقوم يتفكرون ﴾.

تهدف هذه المبادرة، إلى معالجة ظاهرة انصراف الشباب عن الزواج، بسبب تعقّد وسائط الوصول بين الشاب والشابة، لبيت الزوجية، وهي مبادرة تحكي أزمة تتعمق وتتزايد في الوطن العربي، بل والعالم، في التراجع المخيف لواقع العنوسة بين الشباب، وغياب مساحة الأمل في اقتران الجنسين بحياة السكينة والطمأنينة التي حددها القرآن.

إننا نواجه اليوم انتشاراً متزايداً، لصرف النظر عن فكرة الزواج بالمطلق، بسبب هذه الظروف والإعاقات الاجتماعية، وهي حالة شعور نفسي، تستثمرها أفكار سيئة تتقاطر علينا من الغرب، أو من تأثيراته في حياتنا الاجتماعية، وهي أفكار مقترنة بأيديولوجية صاعدة، ترفض الزواج من أصله، وتستبدله بفكرة الصداقات غير الشرعية، ويتم تسويقها عبر عالم النجوم الفني والرياضي، وهي تبث في بيئاتنا العربية والإسلامية، ويضغط معها سؤال الواقع: أين السبيل للزواج ولماذا أشغل نفسي به؟

ويزيد الطينَ بلة، انتشار حالات الطلاق في الزيجات الحديثة، بين الشباب في الوطن العربي، وهكذا تتحول الظروف القاسية، إلى فكرة ثابتة في أذهان الشباب، من حيث تحييد فكرة الزواج مطلقاً، حتى دون أن يلجأ الكثير إلى علاقات غير شرعية، وكلا الأمرين سيئ، حين يبحث هذا الشاب أو الشابة عما يعوض غريزته بالحرام، بحصول المواقعة أو دونها، حتى يعبر زمن الزواج المناسب، فيتكيف مع حياته أعزب.. أو حين يشتد عليه الظرف المعيشي أو البيئة المشددة للحصول على زوجة، أو فرص الشابة للاقتران بزوج تعيش معه سعادة وسكينة، فيتعزز الزهد في الزواج، الذي ينهك فكر الشباب قبل الوصول لمساحة مادية ممكنة، فيقول ولماذا أشغل نفسي بأمر دونه خرط القتاد، وإن حصل الزواج فهو معرّضٌ للطلاق.

والحقيقة أن هناك تراكما لأفكار خاطئة عن أهمية الزواج، ودوره في حياة الفرد وسعادته، تبتعد بالشباب كثيراً، عن المقصد القرآني والمتعة المشروعة، والسعادة المشتركة بين الزوجين، وهذا ما نعتبره قضية قومية ووطنية اجتماعية لكل قُطر.

إننا هنا لا نحوّل فطرة الزواج إلى فريضة شخصية، يجب أن يقبل عليها الشاب كيفما اتفق، ومع أي من العابرين أمامه أو أمامها، فهناك مساحة طبيعية من عدم الاقتران والبقاء في حياة العزوبية، وهذه حالة قديمة، كانت ولا تزال حاضرة في التاريخ الاجتماعي لكل بلد، لكن الخطورة اليوم هو أنك تلاحظ أن هذه الكتلة المُحبَطة يزداد عددها، وربما تحولت إلى أقلية، بمعنى من تتاح لهم فرص الزواج، هم الأقل ممن غابت عنهم، فرصة بيت الزوجية المشترك بين الرجل والمرأة.

إن مما يساهم في تمكين هذه الفكرة، هو دخول قناعات جديدة على الشباب، في الزهد في الزواج واعتبار أي صعوبة لتحقيقه أو للانسجام فيه، تكاليف مزعجة لهم ذكوراً وإناثاً، وعليه تتراجع لديهم أماني الشراكة في صناعة البيت السعيد، الذي يحتوي المُرَّ من الأيام ويغتبط ويعتني بالحُلو منها.

وتتراجع فكرة الحُب الزوجي، والمودة التي تُمثّل مادة الإكسير لربط قلب الزوجين، وحملهم في قارب الهناء والمتعة، وليس الأمر فقط محال إلى تكاليف متبادلة، وإنما أيضاً متعة حياة، وأنسٌ بما يرزقهم الله من طفولة تمثل حياة جديدة لهم، وعمارةً مستمرةً لهذه الأرض.

إن من المؤسف أن تنتقل إلينا فكرة التصحّر الزوجي، واعتماد لغة المحاصصة المادية، وشروط التنازع القانوني، التي تقفز في أيام الخطوبة، ومع ذلك لم تنقذهم من الانفصال ولا الطلاق، وسبب هذه الأزمات الاجتماعية، غياب هدف الزواج المبسط، والضروري لحياة الأفراد، وتأكيد فكرة التلاحم والتضامن، وليس التصادم والاحتكاك بين الزوجين، فتكون المشاحنة بدل المسامحة، والمراقبة بدل التغاضي، وكلمة الحب بدلاً من صرخة الغضب والتوبيخ.

ونحن هنا لا نبرر أبداً ما يفعله الأزواج الجُناة، أو الزوجات المسرفات، من تجاوز يُسقط الحق القانوني والفطري، ويهدم عماد الحب في البيت، لكن تصاعد فكرة الندية بين الزوجين، يخالف هدي القرآن وفلسفة الإسلام.

أما الجانب الثاني المؤلم، فهو حالة الجهل التي يعيشها الشاب أو الشابة، في حاجة كل منهما لتفهم طبيعة وبيئة الطرف الآخر، وأن الزواج خطة حياة فيها مرحلة تعارف ابتدائي، وتوافق ضمني فيه ما يكره وما يُحب، حتى يصل الزوجان إلى برزخ من ود، لا يُمثّل فيه اختلاف طبائعهم ركناً مؤذياً، وإنما انسجام يدمج جسديهما في السكينة الكبرى.

هناك تراكم لأفكار خاطئة عن أهمية الزواج ودوره في حياة الفرد وسعادته