يقول المثل الشهير: «كانت النصيحة بجمل» وفي زماننا هذا أصبحت النصيحة تقدم مجاناً وعلى طبق من ذهب، لكن هل من أذن تصغي السمع؟!
تبدأ قصة المثل السابق برجل ضاقت به الحياة، فخرج بحثاً عن مصدر رزق جديد، ثم عثر على بيت تاجر تعرف إليه ووظفه عنده. بعدها بسنوات، اشتاق الرجل لأهله، فطلب الإذن بالمغادرة، وهو في طريق عودته التقى شيخاً أعطاه ثلاث نصائح مقابل 3 جمال، فكانت النصيحة الواحدة مقابل جمل.
رغم أن كل نصيحة، كانت تبدو عادية لأبعد الحدود، إلا أن الرجل بعد وقت وجيز وظروف مستجدة مرت به، اكتشف أن ما أخبره به الشيخ يساوي وزنه ذهباً، وأنه يمكن لفكرة صغيرة أو اقتراح بسيط تغيير حياة الإنسان رأساً على عقب.
من هنا كانت وما تزال النصائح الثمينة أغلى من كنوز الأرض، إذ يمكن لنصيحة تبدو في الظاهر أنها متواضعة بل وساذجة أحياناً، أن تعود عليك بفوائد لا تعد ولا تحصى إن أنت استثمرتها في المكان والزمان المناسبين.
لهذا، يلاحظ في الحياة أن هناك صنفين من الناس من حيث التعامل مع النصائح: فئة يصغي أصحابها السمع لنصائح الآخرين، فيستفيدون منها للارتقاء بأنفسهم وحياتهم، الأمر الذي يجعلهم يصعدون سلم النجاح بسرعة كبيرة، كونهم لا يعتمدون على أنفسهم فحسب، بل يستثمرون تجارب غيرهم وحكمتهم. أما الفئة الثانية، فهم أولئك الأشخاص الذين لا يستمعون لأي نصيحة من أحد، ولا يكترثون لأي اقتراح أو رأي خارجي. هم أناس استبد الغرور بهم، فأعماهم عن رؤية الحقائق، وتلمس النور، واكتشاف أسرار النجاح من خلال الاطلاع على تجارب أقرانهم. ولأنهم متكبرون، فهم ليسوا على استعداد للإصغاء إلى أي مقترح، بل إنهم يعتبرون أي فكرة تطرح عليهم غير ذات أهمية.
ويرجع السبب في رفض تلك الفئة من البشر لأي فكرة جديدة إلى عدم رغبتهم بالاعتراف بأنه يوجد من هو أذكى أو أفضل منهم. فمجرد قبول النصيحة يعني أنهم لم يستطيعوا التوصل إليها بأنفسهم، بل سبقهم إليها شخص أشد حنكة وحكمة، الأمر الذي يعني إقراراً ضمنياً بأنهم أقل شأنا أو ذكاء.
إن كثيراً من الناس حول العالم لا يتقبلون النصيحة، رغم أن الواحد فيهم بحاجة ماسة إلى من ينصحه. تراه يتخبط في حياته الشخصية والمهنية، ولا يدري أي طريق يسلك، وإن هو قرر المضي في مسار معين يكون اختياره خاطئاً، ومع ذلك يرفض قبول المساعدة، حتى لا يعترف بأوجه قصوره، وبحاجته إلى من يدعمه ويشد أزره ويضعه على الطريق الصحيح.
النجاح ليس وليد جهد فردي بحت، فكلنا في هذه الحياة نساند بعضنا بعضاً. المدير لن يكون له قيمة ولا وجود دون موظفين يؤدون العمل، والمعلم لن يجد بيئة تحتضن ما درسه دون طلاب يدرسهم، والكاتب لن يبدع ولن تكون لأعماله قيمة إذا لم يكن هناك من يقرؤها إطلاقاً، وهلم جرّاً.
لهذا السبب لا يوجد نجاح دون الاعتماد والاستفادة من الغير. لذا، فالإنسان العاقل هو من يعي جيداً بأن النصيحة يمكن أن يساوي ثمنها جملاً، بل وأكثر، وأنه يمكن تعلم الكثير حتى من أبسط الناس. لذا يتواضع، ويصغي السمع، ويفتح عقله لاستقبال الأفكار الخارجية ليستثمرها فيما ينفعه.