روى «ابن القيم» في كتابه «الطرق الحكيمة»، أنه جاءت امرأةٌ إلى عُمر بن الخطاب فشكرتْ زوجها عنده، وقالتْ: هو من خيرِ أهلِ الدُّنيا، يقوم الليل حتى الصباح، ويصوم النهار حتى يُمسي!ثم أدركها الحياءُ فسكتتْ.فقال لها عُمر: جزاك ِالله خيراً، فقد أحسنتِ الثناء!فلمَّا مضتْ، قال كعب بن سور: يا أمير المؤمنين، لقد أبلغتْ في الشكوى إليك!فقال له عُمر: وما اشتكتْ؟فقال: زوجهافقال عُمر: عليَّ بهمافلما حضر قال عُمر لكعب: اقضِ بينهمافقال له: أأقضي بين يديك يا أمير المؤمنين؟فقال له عُمر: اقضِ، فقد فطنتَ لِما لَم أفطنْ له.فقال كعب للزوج: إنَّ الله يقول: «فانحكوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع»صُمْ ثلاثة أيام، وافطِرْ عندها يوماً، وقُمْ ثلاث ليالٍ، وبِتْ عندها ليلة!فقال عُمر: هذا أعجبُ إليَّ من الأول!وبعثه قاضياً لأهلِ البَصرة! في موقف ما قد لا ينتبه لتفاصيله أذكى الناس، فهذا العبقريُّ عُمر لم ينتبه لما انتبه إليه كعب، نكملُ بعضنا بعضاً، ولا نرى النزول على الحق الذي رآه غيرنا منقصة لنا، على العكس تماماً نفرحُ أنَّ غيرنا يرى الحقَّ أيضاً ويحثنا عليه! هذا الدين دين الوسطية والاتِّزان، لا غلو ولا تفريط، لا رهبانية ما أمر الله تعالى بها، ولا انجرار وراء الغرائز!لا اعتزال الدنيا ولا اللهث المحموم وراءها!لا جمع المال كأنه الشيء الوحيد الذي نعيش له، ولا تركه بالمطلق فهو عجلة الحياة، وحافظ ماء الوجه عن السؤال!لا انغماس في العمل إلى درجة إهمال النفس والزوجة والأولاد، ولا البطالة التي تجعل من الإنسان عالة!لا التشدد والتكفير، ولا التفريط والانحلال!وضع كل شيء موضعه، وإعطاء كل إنسان حقه اسمه الحكمة، ومن يُؤتاها فقد أُوتِيَ خيراً كثيراً!
كتاب وأراء
فراسةٌ في حضرةِ الفاروق!
أدهم شرقاوي
Jun 02, 2022
شارك