صحيح أن الهجمة كانت منتظرة على مونديال قطر لكن لا أحد كان يتوقع أن تكون بهذه البشاعة. لقد فاق فجور العصابات الإعلامية كل الحدود وهم يعلمون أن التنظيم سيكون هناك وأن مئات الملايين عبر العالم سيكونون في الموعد بل إن الحملة الإعلامية الأخيرة على الكأس وعلى الدولة المنظمة زادت في فضول العالم للتطلع إلى هذا الحدث الاستثنائي في الدولة الاستثنائية.
في فرنسا لم تتوقف منصة إعلامية واحدة عن المشاركة في الجريمة الإعلامية وهي جريمة في حق الإعلام والصحافة لأنها لم تتأسس إلا على الأكاذيب والافتراءات. صحيفة «البطة المقيّدة» الفرنسية الساخرة أفردت عددا خاصا لقطر وهي المرة الأولى في تاريخ الصحيفة أن تصدر عددا خاصا بدولة ما. لم تترك مقالات الصحيفة التي امتدت على 106 صفحات جانبا من جوانب الحياة في قطر إلا وتطرقت له بالنقد والسخرية ولم تبق غير أحوال العصافير والأسماك لأن الخيول والجمال «المسكينة» أخذت نصيبها من التغطية ولستُ مازحا.
لا أحد كان يتوقع أن يثير تنظيم كأس العالم هذه الأمواج المتعاقبة من الهجمات قبل أيام قليلة من انطلاق الموعد الكبير، فالمشهد اليوم لم يعد يحتاج إلى كبير عناء للفهم. هناك قواعد تاريخية للعبة العالمية ولن يسمح نظام الاستكبار العالمي أن تتغير قواعد اللعبة بهذه السهولة فكُرة القدم لم تعد رياضة بل صارت واحدة من أنشط أسلحة القوة الناعمة وأوسعها تأثيرا على الإطلاق.
لكن هذه المرّة تجاوز المهاجمون كل الخطوط الحمراء في نفس عنصري بغيض لا يستهدف قطر لمن يقرأ جيدا ما بين السطور بل يستهدف العرب والمسلمين كافة. لن يكون من السهل على منصات المنظومات الاستعمارية العالمية أن تقبل بسهولةٍ «جريمةْ» مثل التي أقدمت عليها قطر: كيف لبلد عربي مسلم صغير أن ينظم الحدث الرياضي العالمي الأشهر بإمكانيات ضخمة ستُبهر العالم بدون شك ؟ كيف يمكن للعالم أن يسامح الدوحة في الدرس الذي تقدمه للعرب أولا بأنّ المستحيل ممكنا وأن الخروج من دائرة المتفرّج أمر يتعلق بالرؤية والعمل والبصيرة والمثابرة فقط ؟
إن خطورة المنوال القطري على النظام العالمي لا تكمن في المنوال نفسه فقط بل تمكن في النموذج الذي يقدمه هذا المنوال للأقاليم المتفرجة خاصة أنه ينخرط بقوة في لعبة الكبار دون أن يتنازل عن ثوابته وقيميه ودينه. النموذج القطري هو أخطر ما في التجربة التي يفهمها الخارج أكثر مما يفهمها الآخرون في الإقليم وخارجه.. شكرا للدوحة على هذا الدرس النموذجي.