في مقال الأسبوع الماضي، تحدثنا عن أثر الأفكار السلبية التي تتقاطر من الغرب، في تزهيد الشباب بالحياة الزوجية مع العامل الأهم وهو صعوبة الظروف المادية، والتضخيم المتسلسل لأسعار المهور وتكاليف الزواج، الذي يشتكي منه كل بلدان الوطن العربي، بما فيها الأقطار الغنية، وإن كان غنى الدولة، لا يعني تمكن الفرد المادي ولا قدراته المعيشية، فأرقام أسعار النفط وغيره، لا تعني ضمان الدخل الكريم لمواطني البلدان الموسرة.
وهناك بعض وسائط الخلل الغريبة، حين يخلق جزءٌ من المجتمع عوائق تصعّب ظروف الزواج، حتى مع تقديم بعض هذه الدول إعانة للشباب، أو محاولاتها تحديد المهور، فتجد الاشتراطات تُرفع إلى مبالغ باهظة جداً، من مهر أو شبكة أو حفل أعراس أو طقوس سفر محددة، لا يمكن أن تفي بها إلا ميزانيات ضخمة، حين تكون المهور في أرقام فلكية، تتراوح بين 150 ألف ريال أو درهم و 300 ألف، وقد تزيد، وهي قضية نسبة وتناسب، في بقية بلدان الوطن العربي، أي أن الغلاء يرتفع بصورة مماثلة وأقسى، حين يُحسب دخل الفرد مقابل العملة المحلية مع الدولار.
ولسنا نسقط المهر المعقول ولا حق الفتاة في متطلبات الزواج، لكن هذا التعسير في التكاليف، ومهرجانات المنافسة فيه يُدخل الحياة الزوجية، في نفق مادي يقتطع من روح التواد والحب، وفي حالات كثيرة تبدأ حياة الزوجين في ظروف مادية صعبة، بسبب تكاليف الزواج، ومعلوم بالضرورة أن تحمّل الرجل الدين، أو فقدانه كل ما ادخر، يخلق عنده إحباطات متتالية، تعكّر مزاجه، فلماذا تخلق أمامه مثل هذه العقبات.
أما الأمر الثاني فهو انتشار فكرة أن القدرة المادية لدى الشابة، هي محطة تعزز لديها الاستغناء عن الزواج، وخاصة حين يسيطر عليها، فكرة أن هذه العزوبية تضاعف حق المتعة الشخصية في ثروتها، والتوسع في حياتها، هذا التوسع يشمل مساحة مشتريات تفوق ما تحتاجه بمراحل، وتنتقل بين الفتيات والشابات مدرات التفاخر، بهذه المهرجانات الشخصية للماركات، وهكذا يستشعر الشاب القلق، من أن ارتباطه بهذه الشابة لن يخلق له سعادة زوجية، ولكن مواجهات اجتماعية.
في المقابل هناك حالات تعدٍ على حق الدخل المعيشي للمرأة، من قبل بعض الأزواج، وقبل ذلك من قبل آبائهن وأخواتهن دون طيب خاطر منهن، وهذا أمرٌ محرم إلا ما كان في سياق المشاركة والمساهمة، في مصاريف المنزل. وفي حالة الوالدين، الغالب أن الشابة تساهم لهم عن رضى وقناعة، لكن الزوج وخاصة في بداية تأسيس حياته مع شريكة حياته، لا يحق له أن يراهن على دخلها وثروتها.
وهذا الأمر لا يقوم في الأصل على التشاحن، ولكن حين يمضي الوقت تتحول ميزانية المنزل إلى مشترك بين الطرفين، فيكون الهدف صناعة بيت المستقبل ومحضن الطفولة، ولو ساهمت المرأة يجب أن يُحفظ لها هذا الحق، وأنها قامت بذلك تطوعاً لأجل بيت أكثر رفاهية أو إمكانية أو لتحقيق الحد الأدنى من منزل الحاجة الإنسانية للأسرة، بحسب كل بيئة.
نحن نعاني اليوم من تضخم أزمة الفكرة حول الزواج، واعتبار أن التنازل عنها أمرٌ يسير، لا ينشغل به المرأة أو الرجل، وذكرنا سابقا أن البعد المقابل للزهد في الزواج، لا يعني أن تُلقى المرأة في حضن كل من يستحق ولا يستحق، وإنما بالمقاربة للصالح من الأزواج، مع تشجيع كل منهما لشريك حياته بتجاوز ظروف عدم الانسجام الأول.
وما يقع اليوم مع الأسف الشديد هو العكس، حيث تنهار كل وسائط الحوار، ودعوات المصابرة والتجاوز، بين الزوجين الشابين، ويتحول كل منهم إلى بيت أهله بسرعة، وهذا يساهم فيه عدم التثقيف التربوي للزوجين والتأهيل السلوكي بينهما، فيتفاجأ الشاب أو الشابة من تغير الأمور بعد أيام العسل، وكأن الأمر كان مجرد نزهة مشتركة، لا رحلة زواج ومسؤولية منزل جديد.
إن الجيل الجديد اليوم يحتاج أن يفهم أهمية هذه المصابرة، وفي ذات الوقت يستثمر المتعة الحلال التي شرعها الله للزوجين، وهي تحتاج إلى ثقافة حميمية وذوق، لاستثمار المساحة التي جعلها الله، مدار أنس وسعادة، مُغلّفةً بأحاديث الرومانسية ومقدمات العلاقة، كأوقات أنس لصداقة وتبادل إعجاب بين الزوجين، وليس لعملية ميكانيكية من طرف واحد، كل ذلك يحتاج أن يحاط بالاحترام والتقدير بينهما، وانتقاء أجمل العبارات وتكرار مدح الأنثى والأُنس بجمالها، إنها فطرة الله لسكن الحب الكبير في عش الزوجية.