مَن مِنا لم ينم في طفولته المبكرة على ترنيمة المهد، مَن مِنا لم يهدأ على هدهدة اليد الحانية للأم أو الجدة أو الجد، كل منا تمتع بتلك الترنيمة التي ترتبط بتكويننا الأول،حيث تعيد لنا الايقاع القديم الذي كان يلاحقنا طوال شهور التكوين التسعة ونحن أجنة في بطون الأمهات.. ايقاع قلب الأم الذي لا يكف عن الوجيب ويمدنا بدفقات متوالية من مادة الحياة، «الغذاء والحب» تلك الحالة النادرة من عمر التكون البشري وسط ظلمة الأرحام المطبقة التي تمدنا قبسا متواصلا من المحبة الخالصة مع تواصل ذلك الايقاع المتدفق من القلب.
والترنيمة شعر ينطلق فياضا من شفاه الأمهات الحانيات ليبعث الهدوء والطمأنينة إلى قلوب الأطفال ويرسم في أعماقهم طريق المستقبل.
والشعر هو التجسيد الحقيقي لموسيقى الكون الغامضة، مصاغة بكلمات، وقد يكون ذلك مرهقا أحيانا، وانت تحاول ان تحول الحالة التي تعيش إلى حروف منظومة.
ترنيمة المهد.. شعر يجسد الحالة..والحالة التي نعيش تحتاج إلى أن نعيد صياغة «الترنيمة» من المهد. فقد كان زمن «عزة العرب» مصحوبا بترانيم «مهدية» تعيد تكوين «البيولوجيا» داخل أجساد أطفال ذلك الزمن، تحمل ايقاع انتصار القوة على الوهن، وترفع الأمل فوق اليأس، ومن ذلك الايقاع نشأ جيل غنى بالكلمة للوطن وللعزة والكرامة، ومن ذلك الايقاع نشأ حبل سرى ربط بين جيل «زمن العزة» مع جيل «زمن ارفع رأسك يا أخي» فالتقى الخليج بالمحيط.
ومن ذلك الزمن الجميل وقفت مع الحبل السري الذي امدته مجلة «العربي» الكويتية حين فتحت الباب لانبعاث الكلام لتعيد صياغة ترنيمة جديدة للإنسان العربي رجلا كان أو امرأة.فاقرأ في عددها الأول الصادر في ديسمبر عام 1958 ترنيمة في الحب للشاعر أحمد الصافي النجفي من العراق وهو يقول:
«لكن أثور اذا دعتني نكبة
وأعود من حكم القضا متبرما».
وفي كل عدد من اعداد العربي منذ ذلك العدد حتى العدد الأخير ترنيمة جديدة، مصاغة بمرحلتها، فاقرأ لنزار قباني شعر غزل، ولابي سلمى شعرا وطنيا، وهكذا يتوالى الشعراء الياس فرحات، والياس قنصل، وامل دنقل، وبدر شاكر السياب، وخالد العدساني، وخليل الهنداوي، وزكي قنصل، وصقر القاسمي وصلاح عبد الصبور، والدكتورة عاتكه الخزرجي، وعبد الوهاب البياتي، وعصام أباظة، وعمر أبو ريشة، ومحمد الفايز، ومحمود البارودي، ومحمود حسين اسماعيل، ومحمود غنيم، ونازك الملائكة.
أسماء لمعت في سماء الشعر العربي، وصنعت ترنيمة جديدة، والسؤال أين هي الآن، وهل هناك من يستعد ليخلفها ليعيد لنا ذلك الايقاع القديم المرتبط مع نبضات قلب الأم، ويمدنا بالماء والغذاء في هذه المرحلة المظلمة؟.
مرحلة تقضي على إنسان عربي في الموصل التي انجبت قادة تحرير الامة من الفرنجة.. تقضي على إنسان عربي في حلب سار خلف صلاح الدين لاسترجاع القدس .
فهل هناك من يمدنا بقبس من ترانيم هؤلاء «العظام» الذين غنوا في الحب للوطن وللأمة وللشعب.. فكاد رأسنا يعانق السماء.
بقلم : سمير البرغوثي
والترنيمة شعر ينطلق فياضا من شفاه الأمهات الحانيات ليبعث الهدوء والطمأنينة إلى قلوب الأطفال ويرسم في أعماقهم طريق المستقبل.
والشعر هو التجسيد الحقيقي لموسيقى الكون الغامضة، مصاغة بكلمات، وقد يكون ذلك مرهقا أحيانا، وانت تحاول ان تحول الحالة التي تعيش إلى حروف منظومة.
ترنيمة المهد.. شعر يجسد الحالة..والحالة التي نعيش تحتاج إلى أن نعيد صياغة «الترنيمة» من المهد. فقد كان زمن «عزة العرب» مصحوبا بترانيم «مهدية» تعيد تكوين «البيولوجيا» داخل أجساد أطفال ذلك الزمن، تحمل ايقاع انتصار القوة على الوهن، وترفع الأمل فوق اليأس، ومن ذلك الايقاع نشأ جيل غنى بالكلمة للوطن وللعزة والكرامة، ومن ذلك الايقاع نشأ حبل سرى ربط بين جيل «زمن العزة» مع جيل «زمن ارفع رأسك يا أخي» فالتقى الخليج بالمحيط.
ومن ذلك الزمن الجميل وقفت مع الحبل السري الذي امدته مجلة «العربي» الكويتية حين فتحت الباب لانبعاث الكلام لتعيد صياغة ترنيمة جديدة للإنسان العربي رجلا كان أو امرأة.فاقرأ في عددها الأول الصادر في ديسمبر عام 1958 ترنيمة في الحب للشاعر أحمد الصافي النجفي من العراق وهو يقول:
«لكن أثور اذا دعتني نكبة
وأعود من حكم القضا متبرما».
وفي كل عدد من اعداد العربي منذ ذلك العدد حتى العدد الأخير ترنيمة جديدة، مصاغة بمرحلتها، فاقرأ لنزار قباني شعر غزل، ولابي سلمى شعرا وطنيا، وهكذا يتوالى الشعراء الياس فرحات، والياس قنصل، وامل دنقل، وبدر شاكر السياب، وخالد العدساني، وخليل الهنداوي، وزكي قنصل، وصقر القاسمي وصلاح عبد الصبور، والدكتورة عاتكه الخزرجي، وعبد الوهاب البياتي، وعصام أباظة، وعمر أبو ريشة، ومحمد الفايز، ومحمود البارودي، ومحمود حسين اسماعيل، ومحمود غنيم، ونازك الملائكة.
أسماء لمعت في سماء الشعر العربي، وصنعت ترنيمة جديدة، والسؤال أين هي الآن، وهل هناك من يستعد ليخلفها ليعيد لنا ذلك الايقاع القديم المرتبط مع نبضات قلب الأم، ويمدنا بالماء والغذاء في هذه المرحلة المظلمة؟.
مرحلة تقضي على إنسان عربي في الموصل التي انجبت قادة تحرير الامة من الفرنجة.. تقضي على إنسان عربي في حلب سار خلف صلاح الدين لاسترجاع القدس .
فهل هناك من يمدنا بقبس من ترانيم هؤلاء «العظام» الذين غنوا في الحب للوطن وللأمة وللشعب.. فكاد رأسنا يعانق السماء.
بقلم : سمير البرغوثي