+ A
A -
يقولُ سام هاريس: منطقة واحدة من مدينة نيويورك وحدها قدّمتْ من العلوم والفنون والآداب ما لم تقدّمه الحضارة الإسلاميّة بأكملها!
سام هاريس لمن لا يعرفه، أقول له: لم يفتْكَ الكثير، علمٌ لا ينفع وجهل لا يضرّ! ولمن تملّكه حُبّ الفضول أقول: هو عالم أعصاب أميركي شهير، ولكنه لم يحقق شهرته في مجال الأعصاب وإنما في مجال الإلحاد! فهو أبرز الملحدين الجُدد ومنظّريهم، له أربعة كتب، وكتابه الأول «نهاية الإيمان «أشهرها. والحقّ يُقال أنّ مشكلة هاريس ليست مع الإسلام تحديداً، وإنما مع الدّين بشكل عام، سواءً دين أمه اليهودية، أو دين أبيه الكاثوليكي!
ولستُ بصدد مناقشة سام هاريس في إلحاده، فالشخصُ الذي لا يقنعه جهاز الإنسان العصبيّ بوجود إله لن يقنعه مقال! وبالعودة إلى المقولة، من الواضح أنّ سام هاريس يُعاني جهلاً مركّباً! والجهل بالمناسبة نوعان، جهل بسيط وجهل مركّب، والجهل البسيط هو أن لا يملك الإنسان معلومة عن أمر ما، كأن لا يعرف أن النهر الذي يمرّ في مصر يُسمى نهر النيل! أما الجهل المركّب فهو امتلاك معلومة خاطئة عن شيء ما، كأن يعتقد أنّ النهر الذي يمر في مصر هو نهر الأمازون! والجهل المُركّب في حالة صاحبنا هاريس أنّه يعتقد أنّه يصحُّ مقارنة كميّة الاختراعات بين أُمتين لتعرف أيهما أكثر مساهمة في التراث الإنساني بمعزل عن الزمن الفاصل بين وجودهما! فالحضارة السومرية مقارنة بنتاج الأمم ومخترعاتها اليوم شيء غاية في البساطة والسّذاجة، ولكن مقارنة بالأمم التي عاصرتها تُعتبر من أرقى الحضارات الإنسانية! لهذا ما كان على هاريس أن يُقارن بين نيويورك اليوم وبغداد قبل ألف عام، كان عليه أن يخبرنا عن مستوى أوروبا العلمي مقارنة ببغداد قبل ألف عام! وذكرتُ أوروبا لأن أميركا وقتها كانت نسياً منسياً! وليس من العدل أن أسأل هاريس قائلاً: قبل ألف عام كان المأمون يعطي وزن الكتاب المترجم ذهباً، بكم كنتم وقتها تشترون الكتب المترجمة في نيويورك؟!
ثانياً، نسيَ سام هاريس شيئاً مهماً، وهو أنّ المعرفة الإنسانيّة معرفة تراكميّة، كلّ جيلٍ مدين للجيل الذي قبله بشيء من حضارته، فالبشريّة لم تخترع طائرة البوينغ مرة واحدة، ولكنها نتاج خبرة إنسانية بدأت بمحاولة ابن فرناس إلى أن وصلت للأخوين رايت، وهي في تقدّم مستمر! ولم تخترع آبل وسامسونغ هواتفهما من الصّفر، وما كان ليتمّ لهما هذا لولا أنّ غراهام بيل اخترع الهاتف أولاً، وإنّ علم البصريّات وعمليات العيون المعقّدة اليوم مدينة لابن الهيثم وغيره، والطّب اليوم مدين لابقراط وابن سينا وغيرهم! السّيارات أخذت فكرة الإطارات من العربة التي تجرّها الخيول، والأقمار الاصطناعيّة تعتمدُ على فكرة دوران الأرض التي حُوكم لأجلها جاليلو جاليلي!
أميركا لا شكّ متقدّمة مدنيّاً وإن كانت متخلّفة أخلاقياً، ولكن أميركا ومن قبلها ومن سيأتي بعدها مدينون لكل من كتب حرفاً، أو خطّ كتاباً، أو اخترع دواءً، ولم يبدأ من الصّفر إلا آدم!
بقلم : أدهم شرقاوي