في مطلع القرن الواحد والعشرين، تُوفيَ «بيرتي فيلستياد» عن عمر ناهزَ مائةً وستة أعوام! كان الناجي الوحيد الباقي من مباراة كرة قدم تاريخية، جرتْ في يوم عيد الميلاد سنة 1915.

لعبَ تلك المباراة الجنود البريطانيون، والجنود الإنجليز، في ملعبٍ بلا خطوط تماس، ولا نقطة جزاء! كان الملعبُ حقلاً بين خنادق الجنود من الدولتين!

في ذلك اليوم شاهد الجنودُ كرة قدم لا أحد يعرفُ من تركها هناك، عندئذ تحوّل ميدان المعركة إلى ملعب، رمى الجنود أسلحتهم ولعبوا!

لعب الجنود قدر ما استطاعوا، إلى أن ذكّرهم الضباط الغاضبون بأنهم هنا من أجل أن يَقتُلوا أو يُقتلوا!

انتهت الهدنة الكروية سريعاً، وعاد الجنود إلى خنادقهم، حملوا بنادقهم، وتباروا هذه المرة بالرصاص!

كرة القدم اليوم غدَتْ أكثر من لُعبة، صارتْ لغةً عالمية يفهمها الجميع مهما اختلفتْ ألسنتهم وثقافاتهم ودياناتهم، والشغوفون بكرة القدم أمثالي، يطربون لبعض البلاغة التي تتحدثُ بها الأقدام! ثمة مراوغات لها حسُّ القصائد، وثمة تمريرات كأنها عزف على الغيتار، وثمة وصلاتٌ جماعية لها تناسق الأبيض والأسود في مفاتيح البيانو! وثمة أهداف مذهلة تُشبه الأرنب الخارج من قبعة الساحر!

وكأس العالم اليوم غدا هُدنة يستريح بها الناس من نيران الحروب، الحرب التي تدور بالرصاص، وتلك التي تدور في أروقة الحياة بحثاً عن رغيف، وكرامة! إنه شيء يُخبر أن على هذا الكوكب أشياء جميلة، وأن هذه البشرية بشكل أو بآخر هي عائلة واحدة!

ولكن على ما يبدو أن أولئك الجنود الذين لعبوا كرة القدم تحت فوهات البنادق في الحرب العالمية الأولى، كانوا أقل شراسة، وأكثر إنسانية من هؤلاء الذين يقودون حملةً شرسة لإفشال كأس العالم قبل أن تبدأ!

طبعاً لكل إنسان رأيه الذي يحق له التعبير عنه، وله عينه التي يرى بها الأمور ولا أحد يستطيعُ أن يُعير الآخرين عينه! ولكن الانتقادات التي طالت تنظيم قطر لكأس العالم خرجت عن أدبيات حرية التعبير، وتعدت كونها نظرة مختلفة للأمور، صارت حملةً ممنهجة، برأيي هدفها النيل من قيمنا، وعاداتنا، وديننا جميعاً، ولكن قطر هي التي في الواجهة! والذين يعزفون على وتر حقوق الإنسان المهترئ، لم يقل أحد منهم كلمة واحدة حين نظمت دول أخرى كأس العالم، وكان عليها ما عليها في مسائل حقوق الإنسان، ولكنه عالم أعور!

إنهم يستكثرون علينا تنظيم عرس عالمي هو نهاية المطاف للعبة! تُراهم كيف سيتصرفون لو كان هذا النجاح في أشياء تقلب موازين القوى حقاً؟!

أثقُ أن القافلة ستسير رغم كل النباح المتستر بالإنسانية، وأنها ستكون نسخة جميلة من كأس العالم، وكل التوفيق لقطر!