+ A
A -
في أوائل الستينيات.. جاء مدرس من شواطئ فلسطين للعمل في مدرسة ابتدائية في قرية قطرية على الساحل القطري.. في يومه الأول، تفقد محيطه، فوجد شاطئا رمليا جميلا، وما أن جاءت عطلة نهاية الأسبوع الأولى، حتى استعار حمار جاره في القرية التي كان يسكن، وذهب به إلى الشاطئ، كان الوقت ما بين الظهيرة والعصر، الهدوء يطبق على المكان، لا إنس ولا جان، ولا طير يرفرف، والمدرس في حالة فرح وحبور، سيقضي بقية النهار في أحضان البحر، يستعيد ذكرى أيام طفولته على شواطئ «غزة هاشم». توقف الحمار على حد الماء.. لامس المعلم الرمال الملتهبة والمياه الساخنة، خلع ملابسه كاملة، وكانت مشكلته في المكان الذي يضعها عليه، فهو يبحث عن مكان آمن لا تتسلل إليه رقطاء أو عقرب تبحث عن الظل.. ولمعت في رأسه فكرة، وصرخ كما صرخ نيوتن «وجدتها» نيوتن اكتشف الجاذبية، أما المدرس فقد اكتشف ان ظهر الحمار هو المكان الأسلم لحفظ الملابس، تحدث مع الحمار وقال له: لا تغضب يا صديقي من زميلي ابراهيم طوقان الذي وصف أحد التلاميذ بأنه «حمار» في «رديته» على أحمد شوقي: قم للمعلم.. فنهق الحمار، فظن المدرس أن حماره يريد سماع تلك «الردية» فقال المعلم:
شوقي يقول:
قم للمعلم وفه التبجيلا..
كاد المعلم أن يكون رسولا
والمعلم هو أنا يا حضرة الحمار.. فعليك ان تبجلني وتحترمني، وتحترم ملابسي، فنهق الحمار نهقتين، فقال المعلم: أعرف انك تريد ان تعلم ماذا قال زميلي المعلم ابراهيم طوقان في رديته، اسمع يا حمار قال:
شوقي يقول
«وما دري بمصيبتي
قم للمعلم وفه التجبيلا»
ولا يعلم أن في الفصل حمارا ينصب الفاعل ويرفع المفعول. ادار الحمار رأسه، ونهق نهقتين، فقال المدرس: انت حمار.. قف هنا للمعلم حتى ينهي السباحة، ووضع ملابسه فوق ظهر الحمار، وغطس في المياه على شاطئ قرية «فويرط» وذهب يستجم ويستحم، وبعد ربع ساعة اراد ان يتأكد فيما اذا الحمار يفي معلمه التبجبلا، فنظر إلى الشاطئ، فشاهد ما لم يسره، فقد غادر الحمار وعلى ظهره ملابس المعلم.
خرج المعلم من الماء صارخا: يا حمار.. يا حمار.. هيش.. هيش، توقف عد.. والحمار يواصل مسيره عائدا إلى القرية فقرر المدرس البقاء في الماء حتى يرخي الليل سدوله، وتستر الظلمة عورته، كان مدرس آخر قادم من ضفاف النيل السوداني.. جاء في وقت المغرب يستجم على الشاطئ، فيما المدرس الأول يخفي جسده تحت الماء، ولا يظهر سوى رأسه، وعندما شاهد زميله السوداني، غطس برأسه، فكاد ان يغرق، وكانت الظلمة تلقي بنفسها على البحر، ولشعوره بالاختناق، نفض نفسه من الماء قافزا بعلو متر عن سطح البحر، وسقط من جديد، وهنا لمح المدرس السوداني الارتفاع والسقوط، فصرخ قائلا: جني.. جني.. وعاد إلى سكن المدرسين مهرولا، فخرج المدرس الفلسطيني من الماء، متجها إلى سكن المدرسين مهرولا عاريا فنظر المدرس السوداني خلفه فرأى شبحاً يلاحقه، فأسرع خطاه وهو يقول جني.. جني.. جني فدخل غرفته واغلق الباب خلفه ووصل المدرس الفلسطيني للسكن ودخل إلى غرفته من الشباك فالمفتاح في جيب بنطاله على ظهر الحمار.
صاحب الحمار.. اكتشف ملابس المدرس، فذهب إلى البحر، فلم يجده، فعاد إلى سكن المدرسين معتقدا ان المدرس قد غرق في البحر، وكان حائرا ماذا يفعل، فطرق الباب على غرفة المدرس السوداني الذي كان يقرأ آية الكرسي والمعوذتين، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، فقال صاحب الحمار: أنا إنسي ولست جانا، افتح يا مرجان، فصديقك المدرس شعبان، غرق في البحر.. وهذه ملابسه سمع شعبان.. فقال: أنا هنا يا مرجان.. المفتاح في جيب بنطالي على ظهر «الحمار بن الحمار» الذي سيبقى ينصب خبر ان ويرفع خبر كان. فأصبحت حكاية المدرس تروى على كل لسان ويحفظها الطلبة الصغار، الذين كبروا الآن.. المدرس شعبان ضاق بالمكان بعد ان اصبح الحمار درسا مقررا في اللغة العربية.. ويأتي سؤال في الامتحان: اعرب ما تحته خط:
«استغفل الحمار المدرس وهرب بملابسه» فيقول احد الطلبة: الحمار: فاعل، والمدرس مفعول به.. ويضحك الطلبة.. ويقرع الجرس ويقرر المدرس الهجرة إلى اميركا وينضم بعد حصوله على الجنسية الاميركية إلى «حزب الحمار» ولكن يبقى المعلم معلما يستحق ان نوفه التبجيلا مع تقديرنا لمصيبة ابراهيم طوقان عدو الطالب الحمار.
نبضة أخيرة..
قرّر مصيرك أنت لا
من يبصمون على القرار
«ابو سلمي»

بقلم : سمير البرغوثي
copy short url   نسخ
24/10/2016
1338