ماذا تفعل حين تَعْصِفُ الحياةُ بقطعةٍ من قلبك؟! لا تُصدِّقْ أنها هي مَن مَرِضَتْ، إنما أنتَ المريض.. لا تظن أنها هي مَن تألَّمَتْ، إنما أنتَ المتألِّم في صمت.. هل تعتقد أنها هي طريحة الفراش؟ لا، فلْتَكُن أنتَ..خَمِّنْ مَن سَيَذْرِفُ لأجلها دمعةً، ستبكي مُطَوَّلاً أنتَ.. تَصَوَّر أنها تموتُ بعيدا عنك، لا، لا، إنما تموتُ أنتَ.
مواقف رهيبة تَعْبُرُها أنتَ على جسر الحياة، مواقف تُعَلِّمُك أن تموت واقفا شامخا كنَخْلَةٍ مهما نال منك الشوقُ إلى حضن، حضن دافئ، يحتويك ويَنْتَشِلُك من مخالب الوحدة التي تُجَرِّعُك على مَضَضٍ كأسَ القسوة على نفسك الوَلْهَى وعلى قلبك الشَّجِيّ. صَدِّقْ أنك تتحمل ما لا يُطاق، هكذا عَلَّمَتْكَ التجربةُ، لكن لا تُصَدِّقْ أن في وُسعك أن تتحمَّلَ حين يتعلق الأمرُ بقطعةٍ من قلبك.
يَخُونُك صبرُ أيوب، وتُهَرْوِلُ أنتَ العليل جيئة وذهابا كما فَعَلَتْ زوجة الخليل بحثا عن جُرْعَةِ حياةٍ تُنْقِذُ قِطعةَ قلبِك من شجن عصيّ على الرحيل.. تُوغِلُ في الدوران حول نفسك، وتشعر بأن كوكبَك توقف عن الدوران لما تعطَّلَتِ الحياةُ في عينيْ قطعةٍ من قلبك.
ماذا تفعل لإنقاذ قطعةِ قلبِك من ظلامٍ يُعْمي عينيها عن رؤية الحياة ورؤيتك بالمثل؟! ماذا تفعل لِتَحْلُبَ ما تبقَّى لك من أسبابٍ تُشَجِّعُ على الحياة في غياب الحياة التي تَتَعَطَّلُ حين تَغيبُ شمسُ قطعةٍ من قلبك وتُظْلِمُ الدنيا في عينيك وقلبِك؟!
يتراءى لك صَبْرُك إِسْفَنْجَةً تُبالِغُ أنتَ في اعتصارها عَلَّها تَقْوى مُجَدَّدا على امتصاص ما يكفي من ظُلْمَةٍ تَصُدُّك عن إبصار الطريق قُبالَتَكَ.. لا جدوى من مقاومة التخبط في أشياء العالَم الضَّيِّق من حولك، العالَم الذي تَبْحَثُ لنفسك عن مَخْرَج منه فتَخُونُك السُّبُلُ..
تَقِفُ كجدارٍ تداعى، لا عصا تُسْنِدُك، تلتمسُ خُطاك على سطح الأرض، فتَسْبِقُك قدماك إلى الغَرَق كما لو كُنْتَ تقف على رمالِ شاطئٍ تَتَلَقَّفُها موجةٌ شَبِقَة..
قطعة من قلبِك تهوي في بحر الغياب كأنَّ شمساً هوَتْ، ويهوي معها قلبُك وسِرْبُ الحنين إلى زمنِ الضوء، الضوء الفاصل بين قلْبٍ وقبرٍ.
تنتظر ولا يَسَعُك إلا أن تنتظرَ. مِنْ طُوبِ انتظارك تَبْني أطولَ جسرٍ يربط عالَم قطعةٍ من قلبك بعالَمك الذي تراه تَخِرُّ ساقاه لما يتلاشى حضورُ قِطعةٍ من قلبك فيَقْتُلُك الإهمالُ ويدفنك النسيانُ..
أيّ الطُّرُق تختار وكُلُّ الطُّرُق تؤدي إلى حفرةٍ شاهدةٍ على اندثارِ شمسٍ هَوَتْ، شمس كانت تبعث الدفء في قلبِك وتُغلِق بقُبْلَةِ الحياةِ فَمَ طائرِ الليل الذي كان ينفتِحُ ليصرخ بموَّالٍ حزينٍ يَضْفر خيوطَ القَدَرِ ويشبكها ضدّك متواطئا مع الغيابِ الذي يأكلُ قطعةَ قلبِك..
ستارُ الصمت يزيد المشهدَ ظُلمةً، وتتآكل أنتَ تحتَ نير الحنين إلى مَن كانت لك السريرَ والأرجوحةَ والحَطَبَ.. فمِن أين لك يا حَاطِبَ الليلِ بفاكهةِ شتاءٍ تُدَثِّرُك وتُغْنيك مِن جوعٍ وعطشٍ وأنتَ فاقد البَصَر والبَصِيرة؟!
جَارَيْتَ الأماني، وحَلَمْتَ بالحَبِّ والعصافير، وإذَا بقطعةِ قلبِك تَطيرُ، فتَطيرُ أنتَ خلفها إلى حيث لا حَبّ ولا ماء ولا هواء، تَلْبَس الغيابَ، ويجفُّ الرضابُ، كأنَّ شمسا هَوَتْ، فتهوي أنتَ، تمرض أنتَ، تتألم أنتَ.. تبكي أنتَ وتبكي وتبكي.. وتموتُ أنتَ.
بقلم : الدكتورة سعاد درير