ليس مدار الحديث هنا عمّا حققته قطر «الدولة الصغيرة مساحة وسكانا» كما يحلوا للكثير تسميتها من إنجازات مبهرة بأتم معنى الكلمة لاستضافة المناسبة الرياضية العالمية الأبرز من بنية تحتية ومن شبكة اتصالات واستعدادات لوجستية ضخمة يصعب حصرها. بل مدار الحديث هنا عن حجم التضحيات والصبر اللذين تحلت بهما الدوحة منذ ما قبل 2010 تاريخ إسناد المونديال.
دون ذرة مبالغة فإنه لا توجد دولة في تاريخ اللعبة قد واجهت ما واجهته قطر من دسائس وحصار وحملات إعلامية ومخططات تشويه ومؤامرات ومضايقات... إقليمية ودولية لا تزال سارية إلى حدّ كتابة هذه الأسطر. أمواج الشيطنة والتشويه والافتراء لم تتوقف يوما طوال أكثر من عقد من الزمان وهي التي كانت كفيلة بأن تثني أية دولة أخرى عن المضي قدما فيما مضت فيه الدوحة. لكن اللافت في ردة الفعل القطرية كانت صلابة العزيمة على رفع التحدي وإنجاح المشروع وتجاوز العقبات وصناعة قدرة ذاتية على التحمّل لم تصنعها دولة أخرى مهما كانت مساحتها وعدد سكانها.
نجح القطريون حين لم يتجرأ غيرهم حتى على المبادرة وقدموا ويقدمون إلى اليوم درسا عربي إسلاميا في نكران الذات والعمل في صمت وتحقيق ما يلامس المعجزة. هنا في فرنسا يتردد يوميا سؤال محيّر: كيف لبلد صغير أن يتحوّل من دولة مفلسة تقريبا سنة 1995 إلى لاعب محوري في الإقليم وفي العالم وأن ينجح في بضع سنوات في تحويل مسطح ملحي صحراوي إلى جنة أرضية يحلم بالعيش فيها أرفع المهندسين والأطباء ورجال الأعمال الفرنسيين ؟
الحسد والغيرة لا تخفى بين أسطر الجمل والكلمات، وهم يتحدثون عن قطر فقد اتهموها بكل التهم الممكنة بل حتى غير الممكنة لكنهم لم ينجحوا في إيقاف القافلة التي توشك على بلوغ مضاربها. لا يتعلق الأمر هنا بالثروة الغازية فقط فدول الجوار بل حتى العراق والجزائر والسوادان وليبيا أغنى ألف مرة من قطر بل يتعلق الأمر بالرؤية والحكمة في إدارة الثروة وهو ما يدركه الأوروبيون جيدا جدا.
لا يستطيع من لم يتابع عن كثب تفاصيل الحملات الإعلامية على قطر في فرنسا وفي معظم الدول الأوروبية أن يدرك حجم المنجز الذي حوّل كل محاولات الهدم إلى طاقات للبناء من أجل الأجيال القادمة بل ومن أجل كل العرب والمسلمين. اليوم فقط استفاق العرب على أن الحرب على قطر كانت حربا على النجاح وعلى النموذج الذي أفلت من ربقة المفعول به إلى ميدان الفعل والفاعل عن جدارة واستحقاق.