+ A
A -
بعد أن اختلط الحابل بالنابل في المشهد السوري وتابعه المشهد العراقي ولم يعد واضحا للعيان سوى دقات طبول الحرب بين روسيا والغرب وفي المقدمة منه الولايات المتحدة يتبارى المحللون في فك ألغاز العلاقة الملتبسة إلى حد الارتياب بين موسكو وواشنطن التي قادت الأحداث إلى أوضاع تنذر بكارثة ليس فقط على حاضر ومستقبل الشعبين السوري والعراقي وإنما على علاقة القوتين الكبيرتين ذاتهما وسلام وأمن العالم بأسره.
منذ سقوط الاتحاد السوفياتي السابق بنهاية ثمانينيات القرن الماضي وروسيا الوريثة تشعر بالمهانة والريبة الشديدة من الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة انطلاقا من يقين لديها أن القوة العظمى القديمة قد تعرضت لمؤامرة لإسقاطها من الداخل، وأنها فقدت مكانتها الدولية التي بلا شك كانت تحقق لها نفوذا ومصالح لا حدود لها في المعمورة.. وكثيرا ما عبر بوتين عن حسرته لما حدث عندما وصفه بأنه أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين.
المنطقة العربية كانت المنطقة الرخوة المهيأة أمام روسيا بوتين لأن يعود وينتقم، وذلك بعد أن بدأت الولايات المتحدة عملية تغيير المنطقة من خلال التدخلات السياسية بدعوى إقامة الديمقراطية (الهدم من الداخل) والتدخلات العسكرية مثل الحرب في العراق. لقد أدى ذلك إلى حدوث فراغ سياسي وعسكري في المنطقة العربية أغرى روسيا بقيادة بوتين للتدخل وملء الفراغ حيث وجد الطريق أمامه مفتوحا وسهلا. فكانت سوريا هي الباب لعودة الدور الروسي دوليا، والأهم لتحقيق الانتقام من الدور الغربي في إسقاط الاتحاد السوفياتي. وجدت روسيا أن نظام الأسد قد حافظ على استمراره أو على الأقل تماسك ولم ينهر مثل بقية النظم الأخرى التي تعرضت لما يسمى بالربيع العربي، وتأكدت من عدم اكتراث الغرب بالأزمة السورية.
معركة تحرير الموصل في العراق تقدم صورة مغايرة لما حدث في معركة حلب الشرقية. فبينما جسدت حلب الشرقية أقوى صور الانتقام من جانب روسيا ضد الولايات المتحدة، تبدو الموصل أقوى صور الانتقام من جانب أميركا ضد روسيا. فما كادت معركة تحرير الموصل تبدأ حتى توالت علامات الاحتجاج من موسكو، ليس لأن الأخيرة لا ترغب في تحرير الموصل وإنما لأنها استشعرت خطرا إضافيا عليها في سوريا لن تقدر على مواجهته وينذر بتوريطها في مستنقع سوري يصعب الخروج منه، وإن حدث فسيكون مكلفا للغاية.
المعلومات الأولى التي خرجت من واشنطن قالت إن عناصر داعش بما فيها قيادات للتنظيم فرت من الموصل إلى الرقة موضع تمركز التنظيم الرئيسة في سوريا، وأن هناك ممرات آمنة فتحت لعناصر التنظيم للهروب إلى الرقة. كما أفادت المعلومات بأن عملية التحرير ستستغرق بضعة شهور حرصا على حياة المدنيين في المدينة. موسكو من جانبها حذرت بشدة من هذه الخطوة، وربما اعتبرتها خدعة من الولايات المتحدة لترحيل مهمة القضاء على «داعش» من العراق إلى سوريا. فمن المفيد لواشنطن سياسيا وعسكريا أن يتم خلاص الموصل من التنظيم فتبدو إدارة أوباما قد حققت نصرا قبيل انتهاء ولايتها من ناحية ويفيد المرشح الديمقراطي هيلاري كلينتون للفوز في الانتخابات الرئاسية التي أصبحت على الأبواب من ناحية أخرى.
وبالمقابل يضع ذلك روسيا في موقف حرج بل بالغ الصعوبة في سوريا لأنه يجعلها مسؤولة بدرجة أكبر عن الاشتباك المسلح مع التنظيم في الرقة وغيرها من مناطق انتشاره في سوريا، وهو أمر يعني ببساطة إغراق روسيا في مستنقع يستنزف قدراتها، ويجعلها تتراجع عن حساباتها كليا في الملف السوري، وتضطر إلى الرضوخ للمطالب الأميركية لتسوية الأزمة، وبالنتيجة يلحق بها الهزيمة سياسيا وعسكريا.
هو انتقام متبادل بين القوتين الكبريين سقفه مفتوح لكل الاحتمالات قد يتحملان تكلفته على المستوى الذاتي، ولكن لا سوريا ولا العراق ولا بقية المنطقة العربية تستطيع تحمل الامتداد المتوقع لهذه التكلفة المريعة على شعوبها.
بقلم : عبدالعاطي محمد
منذ سقوط الاتحاد السوفياتي السابق بنهاية ثمانينيات القرن الماضي وروسيا الوريثة تشعر بالمهانة والريبة الشديدة من الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة انطلاقا من يقين لديها أن القوة العظمى القديمة قد تعرضت لمؤامرة لإسقاطها من الداخل، وأنها فقدت مكانتها الدولية التي بلا شك كانت تحقق لها نفوذا ومصالح لا حدود لها في المعمورة.. وكثيرا ما عبر بوتين عن حسرته لما حدث عندما وصفه بأنه أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين.
المنطقة العربية كانت المنطقة الرخوة المهيأة أمام روسيا بوتين لأن يعود وينتقم، وذلك بعد أن بدأت الولايات المتحدة عملية تغيير المنطقة من خلال التدخلات السياسية بدعوى إقامة الديمقراطية (الهدم من الداخل) والتدخلات العسكرية مثل الحرب في العراق. لقد أدى ذلك إلى حدوث فراغ سياسي وعسكري في المنطقة العربية أغرى روسيا بقيادة بوتين للتدخل وملء الفراغ حيث وجد الطريق أمامه مفتوحا وسهلا. فكانت سوريا هي الباب لعودة الدور الروسي دوليا، والأهم لتحقيق الانتقام من الدور الغربي في إسقاط الاتحاد السوفياتي. وجدت روسيا أن نظام الأسد قد حافظ على استمراره أو على الأقل تماسك ولم ينهر مثل بقية النظم الأخرى التي تعرضت لما يسمى بالربيع العربي، وتأكدت من عدم اكتراث الغرب بالأزمة السورية.
معركة تحرير الموصل في العراق تقدم صورة مغايرة لما حدث في معركة حلب الشرقية. فبينما جسدت حلب الشرقية أقوى صور الانتقام من جانب روسيا ضد الولايات المتحدة، تبدو الموصل أقوى صور الانتقام من جانب أميركا ضد روسيا. فما كادت معركة تحرير الموصل تبدأ حتى توالت علامات الاحتجاج من موسكو، ليس لأن الأخيرة لا ترغب في تحرير الموصل وإنما لأنها استشعرت خطرا إضافيا عليها في سوريا لن تقدر على مواجهته وينذر بتوريطها في مستنقع سوري يصعب الخروج منه، وإن حدث فسيكون مكلفا للغاية.
المعلومات الأولى التي خرجت من واشنطن قالت إن عناصر داعش بما فيها قيادات للتنظيم فرت من الموصل إلى الرقة موضع تمركز التنظيم الرئيسة في سوريا، وأن هناك ممرات آمنة فتحت لعناصر التنظيم للهروب إلى الرقة. كما أفادت المعلومات بأن عملية التحرير ستستغرق بضعة شهور حرصا على حياة المدنيين في المدينة. موسكو من جانبها حذرت بشدة من هذه الخطوة، وربما اعتبرتها خدعة من الولايات المتحدة لترحيل مهمة القضاء على «داعش» من العراق إلى سوريا. فمن المفيد لواشنطن سياسيا وعسكريا أن يتم خلاص الموصل من التنظيم فتبدو إدارة أوباما قد حققت نصرا قبيل انتهاء ولايتها من ناحية ويفيد المرشح الديمقراطي هيلاري كلينتون للفوز في الانتخابات الرئاسية التي أصبحت على الأبواب من ناحية أخرى.
وبالمقابل يضع ذلك روسيا في موقف حرج بل بالغ الصعوبة في سوريا لأنه يجعلها مسؤولة بدرجة أكبر عن الاشتباك المسلح مع التنظيم في الرقة وغيرها من مناطق انتشاره في سوريا، وهو أمر يعني ببساطة إغراق روسيا في مستنقع يستنزف قدراتها، ويجعلها تتراجع عن حساباتها كليا في الملف السوري، وتضطر إلى الرضوخ للمطالب الأميركية لتسوية الأزمة، وبالنتيجة يلحق بها الهزيمة سياسيا وعسكريا.
هو انتقام متبادل بين القوتين الكبريين سقفه مفتوح لكل الاحتمالات قد يتحملان تكلفته على المستوى الذاتي، ولكن لا سوريا ولا العراق ولا بقية المنطقة العربية تستطيع تحمل الامتداد المتوقع لهذه التكلفة المريعة على شعوبها.
بقلم : عبدالعاطي محمد