يقولُ روبرت فيسك: أتعلمون لِمَ بيوت العرب في غاية النّظافة بينما شوارعهم على النّقيض من ذلك؟! السببُ أنّ العرب يشعرون أنّهم يملكون بيوتهم لكنهم لا يشعرون أنهم يملكون أوطانهم!
روبرت فيسك أحد أشهر الصحفيين في العالم، وأحد الذين يعرفوننا جيداً، عاش في بلادنا ثلاثين عاماً وما زال يسكن في بيروت. هو مراسل الأندبندنت البريطانية في الشرق الأوسط، كان شاهداً على الثورة الإيرانية، ومجزرتي حماة وحلب، والحرب الأهلية اللبنانية، وحرب الخليج الأولى، وغزو العراق، وحروب غزة الثلاثة، وهو من الصحفيين الغربيين القلائل الذين أجروا مقابلة مع بن لادن. وهو بالمناسبة رجل طمر فيه الخبز والملح إذ يُعتبر مناهضاً لسياسة أميركا وبلده بريطانيا في بلادنا، وله كتاب شهير في هذا المجال، أسماه: «الحرب من أجل الحضارة: السيطرة على الشرق الأوسط»!
وبالعودة من القائل إلى المقولة: أشوارعنا عفنة لأننا نشعر أننا لا نملكُ أوطاننا؟ شخصياً، لا أعتقد! وإن كنتُ أبصم بأصابعي العشرة وجسمي كله أنّه صدق إذ قال أننا لا نشعر أننا نملكُ أوطاننا، إذاً ما السبب؟
هذا يرجع برأيي إلى سببين:
الأوّل: أننا نخلطُ بين مفهوم الوطن ومفهوم الحكومة، فنعتبرهما واحداً، وهذه مصيبة بحدّ ذاتها! الحكومة هي إدارة سياسية لفترة قصيرة من عمر الوطن، ولا حكومة تبقى للأبد. بينما الوطن هو التاريخ والجغرافيا، والتراب الذي ضمّ عظام الأجداد، والشجر الذي شرب عرقهم، هو الفكر والكتب، والعادات والتقاليد! لهذا من حقّ كل إنسان أن يكره الحكومة ولكن ليس من حقّه أن يكره الوطن! والمصيبة الأكبر من الخلط بين الحكومة والوطن هي أن نعتقد أننا ننتقم من الحكومة إذا أتلفنا الوطن! وكأن الوطن للحكومة وليس لنا! ما علاقة الحكومة بالشارع الذي أمشي فيه أنا وأنتَ، وبالجامعة التي يتعلم فيها ابني وابنك، وبالمستشفى الذي تتعالج فيه زوجتي وزوجتك، الأشياء ليست ملكَ من يديرها وإنما ملك من يستخدمها! نحن في الحقيقة ننتقمُ من الوطن وليس من الحكومة، الحكومات تُعاقبُ بطريقة أُخرى لو كنا نحب الوطن فعلاً!
الثّاني: أنّ ثقافة الملكيّة العامة معدومة عندنا، حتى لنبدو أننا نعاني انفصاماً ما، فالذي يحافظ على نظافة مرحاض بيته هو نفسه الذي يوسّخ المرحاض العام، والذي يحافظ على الطاولة في البيت هو نفسه الذي يحفر اسمه على مقعد الجامعة، والأب الذي يريد من ابنه أن يحافظ على النّظام في البيت هو نفسه الذي يرفض أن يقف في الطابور بانتظار دوره، والأم التي لا ترضى أن تُفوّت ابنتها محاضرة واحدة هي نفسها التي تهربُ من الدوام، والأخ الذي لا يرضى أن تُحدّث أخته شاباً ولو أحبها وأحبته هو نفسه الذي يُحدّث عشر فتيات ولا يُحبّ أيّاً منهن!
خلاصة القول:
الحكومة ليست الوطن شئنا هذا أم أبينا، ومشاكلنا مع الحكومة لا يحلّها تخريب الوطن، إنّ الشعب الذي ينتقم من وطنه لأن حكومته سيئة لا يستحقّ حكومة أفضل! ورقيّنا لا يُقاس بنظافة حوش بيتنا وإنما بنظافة الحديقة العامة بعد جلوسنا فيها، لو تأملنا حالنا لوجدنا أننا أعداء أنفسنا، وأنه لا أحد يسيء لأوطاننا بقدر ما نفعل نحن! وصدق القائل: الإنسان لا يحتاج إلى شوارع نظيفة ليكون محترماً، ولكن الشوارع تحتاج إلى أُناس محترمين لتكون نظيفة!
بقلم : أدهم شرقاوي
روبرت فيسك أحد أشهر الصحفيين في العالم، وأحد الذين يعرفوننا جيداً، عاش في بلادنا ثلاثين عاماً وما زال يسكن في بيروت. هو مراسل الأندبندنت البريطانية في الشرق الأوسط، كان شاهداً على الثورة الإيرانية، ومجزرتي حماة وحلب، والحرب الأهلية اللبنانية، وحرب الخليج الأولى، وغزو العراق، وحروب غزة الثلاثة، وهو من الصحفيين الغربيين القلائل الذين أجروا مقابلة مع بن لادن. وهو بالمناسبة رجل طمر فيه الخبز والملح إذ يُعتبر مناهضاً لسياسة أميركا وبلده بريطانيا في بلادنا، وله كتاب شهير في هذا المجال، أسماه: «الحرب من أجل الحضارة: السيطرة على الشرق الأوسط»!
وبالعودة من القائل إلى المقولة: أشوارعنا عفنة لأننا نشعر أننا لا نملكُ أوطاننا؟ شخصياً، لا أعتقد! وإن كنتُ أبصم بأصابعي العشرة وجسمي كله أنّه صدق إذ قال أننا لا نشعر أننا نملكُ أوطاننا، إذاً ما السبب؟
هذا يرجع برأيي إلى سببين:
الأوّل: أننا نخلطُ بين مفهوم الوطن ومفهوم الحكومة، فنعتبرهما واحداً، وهذه مصيبة بحدّ ذاتها! الحكومة هي إدارة سياسية لفترة قصيرة من عمر الوطن، ولا حكومة تبقى للأبد. بينما الوطن هو التاريخ والجغرافيا، والتراب الذي ضمّ عظام الأجداد، والشجر الذي شرب عرقهم، هو الفكر والكتب، والعادات والتقاليد! لهذا من حقّ كل إنسان أن يكره الحكومة ولكن ليس من حقّه أن يكره الوطن! والمصيبة الأكبر من الخلط بين الحكومة والوطن هي أن نعتقد أننا ننتقم من الحكومة إذا أتلفنا الوطن! وكأن الوطن للحكومة وليس لنا! ما علاقة الحكومة بالشارع الذي أمشي فيه أنا وأنتَ، وبالجامعة التي يتعلم فيها ابني وابنك، وبالمستشفى الذي تتعالج فيه زوجتي وزوجتك، الأشياء ليست ملكَ من يديرها وإنما ملك من يستخدمها! نحن في الحقيقة ننتقمُ من الوطن وليس من الحكومة، الحكومات تُعاقبُ بطريقة أُخرى لو كنا نحب الوطن فعلاً!
الثّاني: أنّ ثقافة الملكيّة العامة معدومة عندنا، حتى لنبدو أننا نعاني انفصاماً ما، فالذي يحافظ على نظافة مرحاض بيته هو نفسه الذي يوسّخ المرحاض العام، والذي يحافظ على الطاولة في البيت هو نفسه الذي يحفر اسمه على مقعد الجامعة، والأب الذي يريد من ابنه أن يحافظ على النّظام في البيت هو نفسه الذي يرفض أن يقف في الطابور بانتظار دوره، والأم التي لا ترضى أن تُفوّت ابنتها محاضرة واحدة هي نفسها التي تهربُ من الدوام، والأخ الذي لا يرضى أن تُحدّث أخته شاباً ولو أحبها وأحبته هو نفسه الذي يُحدّث عشر فتيات ولا يُحبّ أيّاً منهن!
خلاصة القول:
الحكومة ليست الوطن شئنا هذا أم أبينا، ومشاكلنا مع الحكومة لا يحلّها تخريب الوطن، إنّ الشعب الذي ينتقم من وطنه لأن حكومته سيئة لا يستحقّ حكومة أفضل! ورقيّنا لا يُقاس بنظافة حوش بيتنا وإنما بنظافة الحديقة العامة بعد جلوسنا فيها، لو تأملنا حالنا لوجدنا أننا أعداء أنفسنا، وأنه لا أحد يسيء لأوطاننا بقدر ما نفعل نحن! وصدق القائل: الإنسان لا يحتاج إلى شوارع نظيفة ليكون محترماً، ولكن الشوارع تحتاج إلى أُناس محترمين لتكون نظيفة!
بقلم : أدهم شرقاوي