الأفلام التي شاهدتها في السنوات العشر الأخيرة كانت في الطائرات! لا وقتَ لديْ لأفعل شيءٍ بهدوء، بين الدراسات العليا، القراءة، تأليف الكتب، الكتابة في الصحيفة، التدريس، وما يفعله أي رب أُسرة ليس لديه كل ما سبق، يُخيَّلُ إليّ أن تلك السنوات العشر كانت «ماراثونا» أكثر منها سنوات حياة!
المهم، وبلا طول سيرة، في العودة من ميونيخ إلى بيروت شاهدتُ على «نتفليكس» وثائقياً عن الفيفا والفساد، بدا العنوان جاذباً أول الأمر، ولكن مع التدرج شيئا فشيئاً ازددتُ قناعة أن نتفليكس عنصرية مثيرة للغثيان.
في إحدى الحلقات من الوثائقي ذاك، جاءت على لسان الشخص الذي يُعلق على الفيديو، عبارة كريهة جداً ما زالت ترنُّ في أُذني من فرط ما فيها من العنصرية!
يقول المعلق: انصدمَ العالم كيف تختار الفيفا دولة كقطر لاستضافة كأس العالم، إنهم مجرد عربٍ أغنياء!
إننا مجرد عرب!
بهذه البجاحة.. والفوقية.. والعنصرية يتحدثون!
عرب كل ما لديهم هو المال!
نسيَ هؤلاء أن أفلامهم لم يكن ليشاهدها أحد لولا فتوحات ابن الهيثم في البصريات، والتردداتُ التي تُبثُ من خلالها المباريات أوجدها الخوارزمي أولاً! وأنه حين كانت باريس ولندن غارقتين في الطين كانت في قرطبة أول بلدية تجمع النفايات في العالم، وأنه عندما كانت أوروبا تعدمُ المصابين بالجذام لاعتقادهم بأن روحاً شيطانية تسكنهم كنا قد أقمنا مستشفى متخصصاً لعلاجهم! وأنه حين كان ملوك أوروبا أميين بالكامل، كان العوام من أهل الأندلس يقرؤون ويكتبون، ويحفظون الأشعار، ولهم آراء نقدية في الأدب والموشحات!
من حق كل إنسان أن يفخر ببني جنسه، ولكن ليس من حقه أن ينظر إلى الآخرين على أنهم مخلوقات من جنس أدنى!
هذه البشرية أُسرة واحدة من زاوية ما، تجتاحها الأوبئة معاً، كما حصل في جائحة كورونا، وتمرضُ معاً، وتنجو معاً، وتلعبُ كرة القدم، اللغة التي يجيدها الجميع، وتجتمع كل أربع سنوات في بلد للعب منافسات كأس العالم كما يجتمع أولاد فرقتهم الغربة في بيت أهلهم!
نحن في أصل الخلقة أولاد أب وأم واحدين، وفي المصير نجلسُ في مقصورة واحدة من هذا الكوكب وما يصيب الواحد يصيب الجميع، واعتبار أحدهم أنه أرقى من الآخرين لمجرد أنه أُتيح له ما لم يُتح لغيره هو مرض فتاك يستدعي علاجاً سريعاً، فمرض العنصرية وباء أشد فتكاً من كورونا، وحمى الخنازير، والملاريا، وإنه يقتل في المرء أثمن ما فيه، يقتل فيه الإنسان!