على بساط من الريح.. حملني ألفرد فرج، وطار بي في عباب التاريخ قرونا، وحلق بي فوق بغداد وهبط بي في الرصافة لأعيش ليلة من ألف ليلة في المدينة العريقة الخالدة التي كانت لعدة قرون خلت هي «أم الدنيا»، مدينة النور والعلم والحضارة والثقافة والمدنية، وقدمت للحضارة الإنسانية ثروة رائعة كبيرة في ميادين الأدب واللغة والفقه والفلك والتاريخ والفلسفة والرياضيات والطب والموسيقى والعلوم بمختلف أنواعها.
على بساط ريح ألفرد فرج عشت سهرة جميلة ناعمة هب فيها نسيم دجلة حاملا عبير ازهار حدائق بابل والرصافة والجسر والكرخ والمدائن، وشذى التاريخ من الاعظمية، ودار الحكمة ونقلني من «بغداد إلى بغدان إلى دار السلام إلى المدودة» لأعيش مع كل اسم من أسامي بغداد تاريخه العريق وماضيه الجميل. «بساط ريح» ألفرد فرج نزعني من الحاضر الأقسى الذي تمر به عاصمة الخلافة العباسية، إلى الماضي الجميل لأعيش ليلة مع «حلاق بغداد» وألتقي الخليفة ووزيره وسيافه وقاضي المدينة والمرأة الجميلة، وأبا الفضول: تلك الشخصية الادبية الفنية الذكية ودورها الرشيق في فضح حياة الترف والعز والرفاهية التي عاشتها الطبقة الارستقراطية المتبغددة في ذلك الزمان.
وقضيت ليلة أستمع إلى تلك المرأة الجميلة التي تروي الكلام المباح وغير المباح للملك من قولها «بلغني أيها الملك السعيد» إلى صوتها وهي تتثاءب حينما أدركها الصباح، وصاح الديك معلنا بدء فجر جديد.
ومع إشراقة شمس بغداد، يعيدني «بساط ريح» ألفرد فرج من «بغداد الزمن الجميل» إلى «بغداد عصر الانحطاط» حيث بساطير «الطائفية» قد جاءت بعد بساطير «العلج» تدوس فوق عاصمة الحضارة، والتراث والتاريخ والمجد، عاصمة الاشعاع العربي، الإسلامي الذي بعث بنوره إلى ارجاء المعمورة والموت يتربص للخليفة ووزيره وسيافه وقاضيه.. بغداد تعيش عصر الانحطاط، وما يدمي القلب أن الصمت يخيم على خواصر بغداد، ولا أحد يجرؤ على أن يقول بملء الفم: اعيدوا بغداد لزمنها، لماضيها، اتركوا حاضرها يتفاعل مع ذلك الماضي.. لا أحد يجرؤ أن يقول للروس اتركوا دمشق أيضا لزمنها، لماضيها لقد حل الطائفيون في أرجاء العاصمتين اللتين أنارتا الطريق للعالم نحو المعرفة.. فهل يعود الخليفة من جديد؟ فلابد للخليفة أن يعود مع جميلته تتثاءب قبل أن يصيح الديك.
فهل يصيح الديك في بغداد؟
ومتى يصيح؟
حتما سيصيح سيدتي شهرزاد..
لتنامي بهدوء بعد أن يذهب مولاك الملك في اغفاءة أبدية.
نبضة أخيرة
أنتظرك وفي الانتظار اشتياق.
بقلم : سمير البرغوثي