تجمعنا الحياة في علاقة مشتركة مع الآخرين. فمنذ يوم ميلادنا نحظى بأب وأم يسهران على راحتنا، وقد ننشئ وسط عائلة حيث إخوة وأخوات تربطنا بهم صلة الدم، إلى جانب الأقرباء وأصدقاء العائلة.

نكبر أكثر فأكثر ونندمج مع المجتمع الخارجي لنؤسس محيطاً خاصّاً بنا، حيث نبني أواصر الصداقة والمحبة مع أشخاص تجمعنا بهم المصالح المشتركة أو المشاعر الإنسانية المتبادلة. وحلمنا المشترك أن نحظى بذاك التواصل الإنساني الذي يحيل حياتنا إلى جنة حقيقة، لكننا نفاجأ في كثير من المناسبات أن آمالنا مجرد أوهام أو أحلام لا مكان لها على أرض الواقع، وأن القدر يضعنا أحياناً في علاقات سامة لا فائدة منها.

نلوم الحظ، نمقت الحياة، نشكو انتفاء المحبة، وندعو للخلاص من الكوابيس التي جلبتها تلك العلاقات إلى حياتنا دون جدوى. فبعض العلاقات وُجدت لتلاصقنا أبد الدهر، كالعلاقة بين الآباء والأمهات بأبنائهم والإخوة ببعضهم البعض، وغيرها من العلاقات التي لم نخترها ولم نكن نعلم ما تخبئه لنا قبل ولوجنا إلى هذا العالم المليء بالمفاجآت حتى لو كان الطرفان في شقاق. فليس بإمكانك التنصل من أهلك مهما فعلت، حتى لو هاجرت إلى آخر بقاع العالم، ولا تستطيع الاستغناء عن أبنائك حتى لو رحلت عن الأسرة بأكملها ولم يروا وجهك سنوات طويلة! وهلمّ جرّاً.

وعلى هذا السياق، يجد بعض الناس أنفسهم وسط علاقات تسمم حياتهم، ولا تسمح لهمم بالتهرب منها مهما فعلوا لأنها صارت جزءاً لا يتجزأ من وجودهم. فما العمل؟

في الحقيقة، إن بعض العلاقات السامة التي لا خيار لنا فيها ما هي إلا اختبار من الله وامتحان لصبرنا وتقبلنا للواقع ومدى رضانا بقضائه وما كتبه لنا. هكذا تفكر وتعتقد فئة من الناس الذين يعلمون أن مثل تلك العلاقات تمثل اختباراً من خالقهم، فتنشأ بينهم وبين الله تعالى علاقة روحية متينة يستمدون من رحابها الصبر والأمل والتفاؤل والإيمان بقدرتهم على تحقيق النجاح في ذلك الاختبار.

إن هذه النظرة الروحية العميقة، تلهم أصحابها إلى خلق طريق خاص بهم ضمن مثل تلك العلاقات غير الصحية، يستشعرون وهم يسيرون عليه بثقة وإيمان.. سعادة مثالية تسابق الزمن وتتخطى الإدراك العقلي المحدود. سعادة يستقونها من استشرافهم للمستقبل ورؤيته الاستباقية لما سيؤول إليه حالهم من نجاح وسرور وانتصار على التحديات.

يمشون في هذا المسار بخطوات ثابتة متقبلين واقعهم بحلوه ومرة، عالمين أن خالق الكون العظيم يضع في طريق الإنسان بعض التحديات الكبيرة ليمتحنه ويقربه إليه أكثر فأكثر. وهذا النهج والأسلوب في الحياة ليس استسلاماً أو ضعفاً أو هروباً من الواقع أو سلبية في مواجهة الوضع القائم، بل هو قناعة وتقبل وتكيف مع بعض العلاقات المقدرة لنا كسجن لا يمكن الفكاك منه؛ لأنه مكتوب علينا كما كُتبت علينا الحياة برمتها دون اختيار منا؛ لتكون دار امتحان ننجح فيه أو نخفق، وهنا نملك الخيار.

نملك الخيار في رفض الواقع وتدمير أنفسنا أكثر بالتخلي عن علاقات لا خيار للعاقل فيها سوى الاستمرار رغم الخسائر، وإلا لكانت الهزيمة أكبر.. أو نستطيع أن نسلم أمرنا لله عز وجل ونرضى بما قسمه لنا، وندرك أنه امتحان يتوجب علينا اجتيازه بالصبر والإيمان والتفاؤل الذي يبدد الظلمات.

بعض العلاقات يمكن الاستغناء عنها ببساطة ووضع نقطة نهاية عندها. لكن بعضها الآخر لا يمكن الانسحاب منه مهما حاولت، لذا فالأفضل هو التأقلم والتكيف والصبر بقلب مؤمن يثق بحكمة الخالق ولطفه اللامتناهي.

فاصبر على مثل تلك العلاقات، واعلم أنها اختبار حقيقي على صبرك وعلى اختيارك لمن تلجأ إليه وقت الشدة. فهل ستلجأ لخالق الكون العظيم أم لأعدائه؟