+ A
A -

ما يمكن قوله باختصار.. بعد أن اجتمع الإبداع والإبهار.. سطعت الحقيقة مثل شمس في وسط النهار.. وتحول الحلم إلى واقع ملموس.. وإنجاز محسوس.. في واحدة من ليالي العمر ترجمت رحلة أمل وعمل وأفرزت أجمل المعاني والعبر والدروس.

كانت ليلة من ليالي العرب، مثلتهم فيها قطر، لتقدم للعالم نموذجا مشرفا فكرياً وإنسانياً وحضارياً، عبر حفل افتتاح بانورامي جمع الإبداع من أطرافه وأوصل رسائله وحقق أهدافه.

ليلة توثق في سجلات التاريخ وتحفظ في قسم النوادر من الأرشيف وتصنف مع المنجزات وشبه المعجزات، فلم يسبق أن تعرضت بطولة رياضية لمثل هذه العواصف والأمواج العاتية، ولم يحصل أن نجحت دولة في التصدي لكل الحملات والمؤامرات، ونجحت في تشييد أفخم الملاعب وأضخم المنشآت، وحققت أصعب الإنجازات لتثبت للعالم أن الدول تقاس بعزائم أبنائها وأفعالها لا بأحجامها وعدد سكانها.

ليلة لا تنسى وقصة قطرية تستحق أن تروى..

لقد تحول استاد البيت إلى «قبة رياضية» و«قمة عالمية»، حضرها الزعماء والرؤساء والإعلام والجماهير ومليارات البشر من أمام الشاشات والإذاعات.. ليصدح اسم قطر في كل الكرة الأرضية ويصبح الترند في كل المنصات ويتردد صداه في كل القارات.

هو يوم الحصاد، منذ أن نثرنا بذور أول كأس عالم في المنطقة العربية والشرق الأوسط، فجاءت الحصيلة جميلة، بحجم ما توقعنا، وما أردناه، منذ أن بدأ المونديال فكرة وتحول لاحقا إلى واقع حقيقي بفوزنا في استضافته، ليكون علامة فارقة في تاريخ البطولات، والمنطقة العربية والشرق الأوسط، وجسرا لتلاقي الحضارات والحوار فيما بينها.

كلمة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، بحفل الافتتاح مساء أمس، جاءت لتؤكد على هذه الحقيقة التي سعت إليها قطر منذ لحظة تقديم ملف الاستضافة، لذلك جاءت أول عبارة في الكلمة: «من قطر، من بلاد العرب، أرحب بالجميع في بطولة كأس العالم 2022».

لقد أرادها صاحب السمو جسرا للتواصل الإنساني والحضاري، يجمع الناس على اختلاف أجناسهم وجنسياتهم وعقائدهم وتوجهاتهم هنا في قطر، وحول الشاشات في جميع القارات، للمشاركة في لحظات الإثارة ذاتها.

بين الفكرة والافتتاح المبهر سنوات من التخطيط والعمل والسهر، تغيرت خلالها أشياء كثيرة، ورأينا قطر تتحول إلى شعلة تتلألأ بكل الألوان، ومرافق ومنتجعات وأماكن ترفيهية ترضي جميع الأذواق، وطرق وجسور وأنفاق تضاهي ما هو موجود في أكثر دول العالم تقدما.

الحلم تحول إلى حقيقة، والذين يعرفون قطر وقيادتها وشعبها راهنوا على فوزها وكسبوا الرهان، أما الذين شككوا وروجوا الأكاذيب ونشروا المغالطات فقد كانت خسارتهم جسيمة ونهايتهم أليمة.

بالأمس شاهد العالم «بأم عينه» ما هي قطر، لامسوا الحقائق التي حاول البعض إخفاءها بـ«غربال» من الفبركات والإشاعات، لكن شمس الإنجاز والنجاح سطعت في كل الأرجاء لتنشر الضياء، وتسمو بلادي بروح الأوفياء.

بالأمس استمتعنا كما هو الحال لمئات الآلاف من الذين حضروا حفل افتتاح بطولة «كأس العالم FIFA قطر 2022»، داخل استاد البيت، وفي محيطه، وبجميع أماكن المشجعين، في ليلة لا تنسى، جمعت عبق الشرق، بحداثة الغرب، في رسالة مهمة للالتقاء والتواصل وربط الجسور بين الجميع باختلاف ألوانهم وأعراقهم وثقافاتهم.

كانت رسالة في غاية الروعة والبساطة، استطاعت أن تدمج الثقافة القطرية بالعالمية عبر «7» لوحات مبدعة، وجسرين ضوئيين معلقين عبرا عن الحوار والتعايش، وهو ما أرادته قطر منذ أن تصدت لمهمة استضافة المونديال.

ومع دقات الهاون، رمز الأصالة والكرم العربي، والعرضة القطرية المميزة، والأهازيج الأخاذة، دخلت أعلام الدول المشاركة، ثم فيديو رائع لقصة قطر الخاصة مع كرة القدم ولقطات تاريخية تم عرضها لأول مرة، نرى فيها سمو الأمير الوالد ومجموعة من أصدقائه ممن ساهموا في بناء هذا الوطن وهم يمارسون كرة القدم، وفي نهايته قيام حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، بتسليم نسخة من القميص التاريخي الذي شوهد في الفيديو إلى صاحب السمو الأمير الوالد ليوقعه كرمز للإرث، ورمز للوفاء، لمن خطط ودعم وناضل وآمن بقدرات بلده وشعبه، حتى توجت مجهوداته باستضافة هذا الحدث التاريخي وشاهده عياناً بياناً من بيت الشعر.. في قطر.

كانت خلاصة حفل الافتتاح التأكيد على قيم الاحترام والتعارف والتعلم من الاختلاف بين الشعوب، ودعوة لتلاقي الثقافات ونشر المحبة والخير بين الناس خلال البطولة.

لم نكن وحدنا، مليارات من البشر حول العالم كانوا معنا عبر شاشات التليفزيون، الكل كان مشدوها بما رأى، والكل كان سعيدا بنقل هذا الحدث الرياضي البارز إلى مستويات أرقى وأرحب وأوسع.

كانت ليلة غير عادية لكل من تابعها، فقد نبتت «البذرة» واخضرت وأينعت وتحولت إلى بستان من الورود والزهور، أمضينا بين مروجه وألوانه أسعد الأوقات وأجمل الذكريات.

من مكاسب حفل الافتتاح أن العالم تعرف على «بيت الشعر» بشكله التراثي وبالسدو الجمالي، وعايشوا عن قرب ثقافة قلما أتيحت لهم الفرصة لمعرفة معانيها الأصيلة، وأشكالها الجميلة، وفي ذلك رسالة اعتزاز بهوية العرب وماضيهم، ورسالة أخرى بأننا نواكب الحاضر ونتطلع للمستقبل متمسكين بتراثنا.. وفخورين بتاريخنا.

استاد البيت كان بالأمس مركزا لـ«أمم متحدة» حضرها قادة ورؤساء حكومات ووزراء، وجماهير من مختلف الأجناس والجنسيات، والجميع انصهر تحت قبة البيت وأعراف المونديال، ليشكلوا عالما واحدا بلغة مشتركة.

ما رأيناه بالأمس كان لحظة الامتحان لكل الذين ساهموا بإنجازه، وكانت العلامة «امتياز مع مرتبة الشرف». ونزف التهاني لقيادتنا الرشيدة على هذا الإنجاز، فهي رأس النجاح ومحركه الرئيسي، فلقد آمنت بقدرات الشعب واستطاعت تفجير طاقاته الإبداعية لنشهد ما شهدناه، وكانت لحظات سيسجلها التاريخ بمداد من ذهب.

.. آخر نقطة

العالم «ضبط» ساعته على توقيت الدوحة، عاصمة الرياضة والمونديال. وعلى مدار شهر تقريباً سيكون الجميع مع مهرجان كروي حافل بالإبداع والتكتيك والتكنيك، وفرصة لمشاهدة أكثر من مباراة في اليوم الواحد، وهذا ما لم يتوفر في أي نسخة سابقة.

وما كان ينقص اليوم الأول للمونديال العربي هو ظهور العنابي بأفضل مما ظهر عليه في لقاء الافتتاح أمام الإكوادور، فقد «نقّص» علينا الفرحة، بأداء يصعب فمهه أو شرحه.

والغريب أن كل قطر دخلت في أجواء البطولة إلا المنتخب الوطني، فقد بدأت المباراة وانتهت دون أن يظهر نصف ما يملك من إمكانيات وقدرات نعرفها جميعاً.

منتخبنا لم يكن في أفضل حالاته، ولعل ضغط الافتتاح كان له الدور الأكبر في ثقل أداء اللاعبين وغياب الانسجام المعهود بينهم، لكن هي البداية فقط، وفي كل الأحوال يجب أن نتطلع إلى الأمام ونأمل أن يكون القادم أفضل، فهذا المنتخب قادر على تقديم ما هو أفضل مما رأيناه.. فلنقف صفاً واحداً معهم حتى يتجاوزوا الكبوة ويعودوا للبطولة أكثر توهجاً وقوة.

محمد حمد المري - رئيس التحرير المسؤول

copy short url   نسخ
21/11/2022
505